سيدة نساء العالمين

img

السيد فاضل علوي آل درويش.
الحوراء الإنسية لم يكن هناك تعبير يجمع الكمالات التي كانت عليها الزهراء غير هذا الوصف، إنها أكبر من كل معرفة وتصور، صورها الباري سرا مخفيا في عظمتها.
ونعيش مع هذه المرأة العظيمة في عدة صور نستشرق فيها أنوارها الزاهرة.
1 – أفق الحب الرفيع:
من معالم الحب الصادق للمؤمنين أن يكونوا حاضرين في قلبه، يستشعر آلامهم وآمالهم ورغباتهم فيطلب من الله تعالى أن يحققها لهم ويسهل أمورهم، فالبعض _ وللأسف _ رهين بأنانيته وتأليهه لذاته فلا يفكر ولا يشعر بأكثر من أفق مصالحه ومنافعه، ولم يكن حاضرا في قلبه الأوضاع الصعبة التي يعانيها جيرانه وأصدقاؤه، لم يجرب يوما أن ينطلق في ميدان التكاتف واستشعار حاجات الغير ليكون في خدمتهم ومحل قضاء حوائجهم.
سيدة نساء العالمين تعطينا درسا مهما في علاقاتنا المجتمعية وما ينبغي أن تكون عليه من متانة وتعاون وتآزر، فيكون مصدر سعادة وسرور للمؤمن إن وفق لمساعدة الآخرين، والدعاء للمؤمنين بظهر الغيب ليس لقلقة لسان وتمتمات يحرك شفتيه بها، بل هي حركة جوهرية تكاملية تبدأ من القلب بأحاسيس تمتد لجراح الآخرين فتبلسمها، فتنشأ هذه القيمة _ الإحساس باحتياج الغير _ كومضة في قلبه فتشع مشرقة في حركته وتعامله، فمنطلق مساعدته للغير نوراني ومن محراب الحب الإلهي تتحرك المشاعر باتجاه إيثاري يقدم حاجات المؤمنين على نفسه، فما أعظمها من تربية فاطمية لشيعتها والسائرين على نهجها وخطاها.
قال الإمام الحسن :…. وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسميهم «تذكرهم بالاسم»، وتكثر الدعاء لهم، ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت لها: يا أماه لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك.
فقالت: يا بني، الجار قبل الدار» «دلائل الإمامة ص 56».
2 – أم أبيها:
ورد عن أمير المؤمنين : كنا في حفر الخندق إذ جاءته فاطمة بكسرة من خبز فرفعتها إليه، فقال: ما هذه يا فاطمة؟
فقالت: من قرص اختبزته لابني، جئتك منه بهذه الكسرة.
فقال: يا بنيه، أما إنها لأول طعام دخل فم أبيك منذ ثلاث» «ذخائر العقبى ص 47».
كم هي عظيمة هذه المرأة الحنونة على أبيها حتى عوضته عن الحرمان العاطفي بسبب يتمه وفقدانه للأبوين منذ صغره، ولم تغب عن رسول الله ﷺ في أحلك الظروف، وكانت شريكة جهاد مع أبيها وابن عمها أمير المؤمنين، ومن تلك الوقائع التي شهدتها هي معركة الخندق، وسميت بذلك لأنها شهدت حفر خندق في الجهة الشمالية للمدينة المنورة اتقاء لهجوم كبير يقوده جيش مكة وأحلافه من المنافقين واليهود، واستمر الحفر لخمسة عشر يوما وقد شارك الرسول ﷺ المسلمين في الحفر وكان عملا مضنيا وشاقا، وزينة أبيها تستشعر تعبه وآلامه في هذا الموقف العصيب.
أعدت قرص خبز لابنها تسد به رمقه من الجوع، ولم تنس وما غاب عن بالها أن روحها التي تسكن بين جنبيها وهو رسول الله مجهد، فأقبلت الزهراء وبيدها كسرة خبز تخفف بها جوعه ﷺ، فأخبرها رسول الله بأنه لم يذق طعاما متذ ثلاثة أيام، ما أعظمك من قائد يا رسول الله تشارك المجاهدين، وهذا الابتلاء الإلهي الشديد لأفضل الخلق ومن معه لدليل على هوان الدنيا على الله تعالى، وو باب معرفة للمقامات التي وصلوا إليها بما واجهوه من مشاق صعبة، أثبتوا فيها أنهم الصبر والتضحية قد تجسدت فيهم.
إنها الزهراء والتي توالى برها برسول الله منذ صغرها ولم تغب عن أي مشهد، فكانت إلى جنبه دائما إلى آخر لحظات حياته ﷺ، فكانت مشاركتها معنوية بتلك العاطفة الجياشة التي تضفيها عليه، ومشاركة مادية لها قيمتها الكبرى، فكسرة الخبز في هذا الموقف رمز الإيثار والعطاء في أعلى درجاته.
3 – الحجاب والعفة:
ورد عن أمير المؤمنين : استأذن أعمى على فاطمة فحجبته، فقال رسول الله ﷺ لها: لم حجبتيه وهو لا يراك؟
فقالت: إن لم يكن يراني فإني أراه، وهو يشم الريح.
فقال رسول الله ﷺ: أشهد أنك بضعة مني» «بحار الأنوار ج 43 ص 91».
كمال المرأة ومصدر عظمتها ومحل فخرها ومنشأ سعادتها، نجده في نهج الزهراء وما تدعو إليه من عفة وصون، والحجاب ليس عنوان ستر وتنزه عن عالم الشهوات ونظرات الذئاب البشرية المتحينة للفرصة فتعيش عالم الانحطاط والسعار الجنسي، بل الحجاب عنوان امتشاق المجد والعزة، فالعباءة التي تتجللها المرأة وتستر بها جسدها ما هي إلا مصدر نزاهة واستحكام الستر والخفر، عنوان لمجانبة الغنج والتغزل والعلاقات غير المشروعة، هذا ما ينبغي أن تتلقاه الفتيات من دروس عند بلوغ مرحلة التكليف.
الحجاب ليس بقيد لحرية المرأة وانطلاقها في تنمية قدراتها وإسهامها في تطوير الممجتمع وازدهاره، فبحجابها تدرس وتعلم وتعمل بما يناسبها، ودعوى أنه يعيق حركتها ويسبب حرجا في تعاملها مع الآخرين وهم، إذ هو قيمة مجتمعية عالية تحفظ الجنسين من مخاطر التحرش والتلصص بالنظرات لمفاتن المرأة المتبرجة وما يحدث بعد ذلك مما لا يحمد عقباه.
لقد كانت مولاتنا الزهراء قدوة في العفة والصون، فعندما يقبل ابن مكتوم وهو ضرير لا يبصر الآخرين فإنها تحتجب عنه، ويسألها رسول الله ﷺ وهو العالم بذلك _ سؤال معلم ومهذب _، تجيبه أنها تراه، كما أن الأعمى يشم الرائحة الطيبة الفواحة وهي إحدى المثيرات عند الرجل، إنه درس الشرف والعفاف.
وللأسف فقد برزت ظاهرة التبرج من خلال التحايل على الحجاب الشرعي، فظهرت العباءات المزينة الملفتة للنظر والفاقعة في ألوانها، وبعضها الشاف عن البدن لضيقها، وامرأة أخرى تضع أطيب العطور عندما تذهب إلى السوق، خداع ومكر لا جدوى منه.

الكاتب ya fatima

ya fatima

مواضيع متعلقة

اترك رداً