فــــــــــــــــــــــــدك . . صرخة ايقاظ للضمير الانساني

img

كريم شلال الخفاجي
05/01/2011
قراءات: 1556

“ان من اعظم المصائب التي تعيشها امتنا هي فقدانها لارضية الحوار”
يحتل موضوع فدك اهمية خاصة عند المسلمين لما له علاقة مباشرة بابنة رسول الله “ص”ولذلك تناولتها الكثير من الدراسات ، واخذت مساحات كبيرة من جهود الباحثين الذين حاولوا ان يركزوا عليها من خلال نقل الروايات التاريخية التي تؤيد حق السيدة “فاطمة بضعة المصطفى “(ص) وكذلك حق ورثتها ، ولكن اغلب تلك الدراسات اشارة الى الجانب المادي والحقوق الشرعية لورثة رسول الله(ص) ، دون النظر اليها من زاوية اخرى( وهي المعنى الرمزي لفدك الذي يشير الى المعنى العظيم ، ولايعني تلك الارض الحجازية المسلوبة ، وهذه الرمزية التي اكتسبتها فدك هي التي ارتفعت بالمنازعة من مخاصمة عادية الى منكمشمة في افقها ، محدودة في دائرتها الى ثورة واسعة النطاق رحيبة الافق)( فدك في التاريخ /محمد باقر الصدر/ ص51)، وهذا الطرح يفرغ ابعاد هذه المسالة من محتواها الاهم والذي من اجله ثارت الزهراء(ع) ، واذا تاملنا قليلا بكلمات حفيد الزهراء(ع) الامام موسى بن جعفر “ع”عندما سال عن حدود فدك ، فأجاب: ان حدود فدك الرمزية ( تبدأ من عدن الى سمرقند وصولا الى افريقيا حتى سيف البحر مما يلي الجزر وارمينيا”(المناقب لابن شهر اشوب 4 :320 ، بحار الانوار 48 :144) قطعا سيصل الى نتيجة مفادها ان “ال بيت الرسول” (ص) يرومون المحافظة على ثورة جدهم والى حدود دولته الاسلامية بعيدا عن بساتين نخل واعناب وغيرها، هذا من جانب ومن جانب اخر ، فان المتامل لصفات واخلاق ورثة النبي (ع)لايشك “قيد انملة” من انهم غير محبين لدنيا زائلة ، وان لاصحاب هذا البيت من النفوس التي تسعى لنيل مرضاة الله تعالى بعيدا عن الدنيا وزخرفها وملذاتها ، ولنا في الامام علي ابن ابي طالب اسوة حسنة فهو القائل لابن عباس: ” ماقيمة هذا النعل ؟ فقلت : لاقيمة لها! فقال (ع): والله لهي احب الي من امرتكم ، الا ان اقيم حقا ، او ادفع باطلا “(نهج البلاغة ،الامام علي ابن ابي طالب (ع) ، ص66) من هذا يتبين ان لاصحاب هذا “البيت” اهتمام وشأن اكبر من همنا ، فحري بكل منصف ان يتحلى بالمنهج القراني في المباحثة والمناظرة ولنتخذ من قوله تعالى مدخلا لحديثنا :”وانا اواياكم لعلى هدى او في ضلال مبين “(سبا/ 24 )، فالقران عندما يخاطب الكفار والمشركين يخاطبهم بمنتهى التعامل الاخلاقي النبيل ، فلم يقل اني على حق وانتم على ضلال ، بل قال اما نحن اوانتم على حق او على باطل فهو منهج قراني عند طرحه للجميع ، فهو يحاول ان يربي النفس الانسانية على مبدأ”حرية المناقشة “بالبينة والبرهان “قل هاتوا برهنكم ان كنتم صدقين” فرسول الاسلام(ص) كان يصغي ويستمع الى براهين المشركين والكفار ويردها بالتي هي احسن ، وقد سجل القران الكريم نماذج كثيرة من تلك الاحتجاجات ، ونقول لكل المتحاملين على المذهب الشيعي الذي ينهل من منهل بيت النبوة العذب فهم عدل الكتاب ، من الذين يشنعون ويفترون عليهم، بل يقذفونهم بكل ماهو باطل ، ونصبر كما صبرت عترة المصطفى (ص) ونتاسى بقول الله تعالى : “واكثرهم للحق كارهون”(المؤمنون /70 )، ولذلك اردت ان ازيل الضبابية التي يحاول البعض ان ينشرها حول هذه القضية في كل محفل تثار فيه ، ولكن اقول وكما يقول ويعتقد كل منصف ان هنالك ظلامة وقعت “لال بيت الرسول :”واي ظلامة ” تلك التي ظهرت بعد وفاته(ص) وهي محاولة لمصادرة كل حقوق “ال بيت الرسول”(ص)، فكان لابد من هزة عنيفة وثورة تعيد الامة الى صوابها ، بل توقظها من غفوتها وسباتها الذي حاولت اطراف كثيرة نشره بعد وفاة الرسول الاعظم (ص) فكانت “فدك” هي المفتاح لتلك الثورة المباركة ، “اذن هي بشائر ثورة كانت ، هي ثورة فاطمية في لونها العاطفي ، وهو لون من عدة الوان اوضحها واجلاها اللون السياسي الغالب على اساليبها واطوارها “(هذا مايؤكده الشهيد الصدر “قدس سره “ص51) فما هي فدك؟وكيف حولتها بنت رسول الله (ع)من زروع خضراء، الى شظايا ملتهبة تنطق بالحق بوجه اولئك الذين حاولوا نسيان العهود والمواثيق التي عاهدوا الله ورسوله عليها، فما هي فدك؟ فدك قرية من قرى الحجاز وبينها وبين المدينة مدة يومان الى ثلاثة ايام ، وقد افائها الله تعالى على رسوله الكريم (ص) في السنة “السابعة للهجرة”كما يشير الى ذلك “ياقوت الحموي في كتابه معجم البلدان “وهي كانت ارض يهودية يقطنها طائفة من اليهود حتى السنة “السابعة للهجرة” ، حينما قذف الله تعالى الرعب في قلوب اهلها فصالحوا رسوله الكريم (ص) على النصف من فدك كما يؤكد هذا “البلاذري في فتوح البلدان ، وكذلك ياقوت الحموي في معجم البلدان، وايضا الماوردي في الاحكام السلطانية ” بل يؤكد اكثر من هذا ” الجواهري في السقيفة وفدك”ان الرسول الكريم (ص) وضع يده عليها كلها ، وقد اجمع المؤرخون ان فدك فتحت صلحا ولم يوجف عليها بخيل او ركبان ، فكانت خالصة لرسول الله (ص) كما يؤكد ذلك “ابن هشام في كتابه السيرة النبوية، وكذلك الكليني في اصول الكافي “لذلك اورده الكليني في باب الانفال أي (ان كل ما رجع الى المسلمين من غير ان يوجف عليه بخيل ولاركاب فهو من الانفال ، وهو يعود لله ولرسوله (ص) خاصة ، لذا عدت فدك ملكا لله ولرسوله حسب النص القراني في قوله: (وما أفاء الله على رسوله منهم فما اوجفتم عليه من خيل ولاركاب )الحشر / 6 .
وتظل فدك تتاجج وتظطرب قضيتها في كل عصر ولاتستقر عائديتها ، وتسيس فدك لتاخذ خطا متوازيا وسياسة الخلفاء وترتبط ارتباطا وثيقا بموقف من يستلم سدة الحكم بموقفه من “ال بيت رسول الله” (ص) ، وتبقى فدك اكبر من قيمتها المادية لما تحمله من مضامين معنوية في نظر المنصفين من المسلمين ، فهي تتفجر كلمات واشعارا على السنة المحبين “لال بيت الرسول” (ص) ، فهذا “دعبل الخزاعي ” يصدح بكلماته حبا وولاءا لبيت النبوة الاطهار فيقول عندما اعاد المامون فدك الى اصحابها الشرعين :
اصبح وجه الزمان قد ضحكا برد مامون هاشم فدكا
ويظل الغموض يكتنف بعضا من جوانب فدك ، ونترجم الحقيقة بما يضمنه الشاعر:
اهوى عليا امير المومنين ولا ارضى بشتم ابي بكر ولا عمرا
ولا اقول وان لم يعطيا فدكا بنت النبي ولا ميراثها كفرا
الله يعلم ماذا يحضران به يوم القيامة من عذر اذا اعتذرا
فالزهراء تلك المراة التي امتلكت من الجراة الادبية والملكة البيانية المؤثرة والقدرة على صب معاني الثورة والتي اختصرتها بكلمات وبصياغة فنية مستخدمة تلك الادوات الرائعة المسبوكة بالانوار المقدسة من الفيض الالهي في تصوير رائع ونقد لاذع لتلك الاوضاع القائمة تصويرا ونقدا يجعلان الالفاظ تنطق بالمعاني وبالحياة ، ولها حظا من الخلود ، بلى تمكنت من ان تجند حروفها جنودا لثورتها متخذة منها نبراسا ومتراسا بل سندا شامخا في تاريخ العقيدة ، لتنفض غبار الذل والهوان عن تلك النفوس الضعيفة ، ولترسم فجرا جديدا تتفجر القوة في طبائعه المخذولة.
وقفت الزهراء على اعتاب زمن تنكر لها ، لزمان شعرت بانه غير زمانها ، بعدما رات بيت النور بيتها “رمز النبوة” مهدد بين الفينة والفينة ، والى ابن عمها الرجل الثاني في الاسلام بعد ابيها ، “باب علم النبوة ، والوزير المخلص، وهارونها المرتجى، بل هو الامام الاوحد الذي اجمعت على احقيته في الامامة والخلافة مصادر من الطرفين ، بينما لم ولن يقول بامامة ابي بكر الا نفر من فريق من المسلمين ،”ماجاء لاحد من اصحاب رسول الله (ص)من الفضائل كما جاء لعلي ابن ابي طالب ” (ينظر: المستدرك على الصحيحين للحاكم :ج3 ، ص107 ، المناقب للخوارزمي 3 :19 ، تاريخ الخلفاء للسيوطي:ص168 وغيرها) من هذا فالاحق بالخلافة الامام علي ابن ابي طالب (ع) الذي أصطفاه الرسول(ص) بعدما ارقده في فراشه حين اثر الرسول(ص) الهجرة الى يثرب ، فكان “برد الرسول الاخضر “عنوانا للاصطفاء (للمزيد ينظر: الطبري :في تاريخه:2 :99،ابن كثير في البداية والنهاية3 :216،وغيرها) وفي الرجوع الى تاريخ الانبياء والرسل ترد الوصية والاصطفاء للامام علي (ع) من قبل الرسول الاكرم (ص) بصورة لالبس فيها ، وحادثة :”غديرخم” عندما قال المصطفى قولته المشهورة”من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم والي من والاه ، وعادي من عاداه”(مسند احمد4 : 281، سنن ابن ماجة 1: 28، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 14: 226 )، وبعد هذا كله يخسرالامام خلافة رسول الله (ص)، كذلك خسرت الزهراء ابوة هي ازكى الابوات في التاريخ ، لذا فان الوقت الذي مرت به الامة بعد انتقال الرسول الاعظم (ص) الى الرفيق الاعلى ، عصيب ذلك الذي مرت به الامة الاسلامية، فالسلطات الحاكمة كانت قد بلغت اوج ضغطها وقسوتها الامر الذي جعل في الاشارة عتاب ، وفي القول حساب ، وفي الفعل عقاب ، أي كما هي الاحكام العرفية في وقتنا هذا ، فلم يتجرا احد ان يتفوه بشيء باستثناء “بضعة الرسول” (ص) فهي محفوظة لاخوف عليها بلا شك ، لقداسة النبوة ، ولما للمراة في الاسلام عموما من حرمات وخصائص تحميها من الاذى، ان المسالة اذن ليست مسالة ميراث ونحلة الا بالمقدار الذي يتصل بموضوع السياسة العليا ، وليست مطالبة بعقار او دار ، بل هي في نظر الزهراء (ع) مسالة اسلام وكفر ، ومسالة ايمان ونفاق ، ومسالة نص وشورى (فدك/ ص52)وقولها في خطبتها المشهورة يعضد القول :” اين زحزحوها عن رواسي الرسالة ، وقواعد النبوة والدلالة ، ومهبط الروح الامين والطبين بامر الدنيا والدين ؟الا ذلك هو الخسران المبين (فد ك/52 ) ، واكبر الظن ان الصديقة كانت تروم ايصال مبتغاها وهدفها الاعلى الذي ليس هو اثبات النحلة او الميراث ، بل تصحيح مسار، وبصورة ادق هو التصحيح والقضاء على نتائج السقيفة ، حيث تسترجع الصديقة تلك الايام بدموع حرى وقلب ملتهب، ايام العنفوان والشموخ بضلال ابيها، فتسترجع وتقول:(الي يا ذكريات الماضي ، حدثيني حديثك الجذاب ، ورددي على مسامعي كل شيء ، لاثيرها حربا لاهوادة فيها على هؤلاء الذين ارتفعوا وارتفع الناس بهم الى منبر ابي ومقامه ، ولم يعرفوا “لال محمد” (ص) حقوقهم ، ولا لبيتهم حرمة تصونه من الاحراق) اذن ماذا تبقى بعد هذا ؟! فالحرمات انتهكت ،والحقوق صودرت ، بل وصلت الوقاحة بهم الى التجاوز على بنت نبيهم حد حرق بيتها ومن فيه اذا لم يبايعوا خليفتهم الجديد (ينظر : الامامة والسياسة لابن قتيبة:19 ، وتاريخ الطبري2 :233 ، وكذلك نهج البلاغة للامام علي ابن ابي طالب “ع ” 6 :47/48) ، فماذا تنتظر بضعة المصطفى بعد هذا الهوان وهي ترى العهود والمواثيق التي اتفقوا عليها مع ابيها (ص) قد انتهكت ، فابو بكر الذي لم ياتمنه الوحي على تبليغ اية للمشركين ، وانتخب عليا مكانه ، يوضع بعد ذلك على منبر الرسول(ص) ويبعد عنه وصيه الشرعي بالاكراه !!، وتتدافق الا فكار وتتلاطم الحقائق من هول ماتراه الصديقة (ع)من تداعيات ولاتجد ملاذا سوى الصراخ ، فتنفجر قائلة: ” ان هذا الانقلاب الذي انذر الله تعالى به في كتابه ، اذ قال (ومامحمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل أفأن مات أوقتل أنقلبتم عل أعقابكم )(ال عمران /144 ) ، ومن قراءات متمعنة في خفايا التاريخ يتبين ان قضية فدك هي حقيقة واضحة كوضوح الشمس ، والادلة كثيرة ومنها على سبيل المثال وليس الحصر ما يروى في صحاح السنة من : ان عليا والعباس عندما كانا يتنازعان في فدك في ايام “عمر بن الخطاب ” فكان يابى ان يحكم بيهما ، ويقول : انتما اعرف بشانكما ، اما انا فقد سلمتها اليكما ( شرح نهج البلاغة :221، صحيح البخاري : 97 / معجم البلدان : 270 / 271 )من هذا يتبين ان حكم الخليفة كان حكما سياسيا وهو من ضروريات الحكم في تلك الايام الحرجة والا لماذا اهمل عمر بن الخطاب رواية الخليفة واهملها جانبا وسلم فدك الى الامام علي والعباس ، والدليل المهم ايضا الذي يثبت انهم (الذين استلبوا فدك من اصحابها الشرعين)يدركون جيدا ان ثورة الصديقة وكلامها عن فدك لم يكن الا امرا ظاهرا ، اما واقع الامر هو غير ذلك بدليل كلام الخليفة “ابو بكر ” : ” ايها الناس ، ما هذه الرعة الى كل قالة ؟ ! اين كانت هذه الاماني في عهد رسول الله “ص”الا من سمع فليقل ، ومن شهد فليتكلم ، انما هو ثعالة شهيده ذنبه ، مرب لكل فتنة. . )ومن هذه الكلمات التي يطلقها الخليفة عن الامام علي (ع)وعلى بنت الرسول(ص) التي وصفها بالذنب التابع للامام ، تؤكد دون شك انه يفهم ان احتجاج الزهراء لم يكن حول ميراث او نحلة ، ولذلك لم يتطرق بخطبته عن الميراث قليلا او كثيرا فاحتجاج الصديقة الطاهرة”ع” ، الذي رأت من فدك فرصة مناسبة لاعلانه والمتضمن” الادلاء برايها حول الحكومة الجديدة ،ومن ثم بينت احقية علي”ع”في قيادة الامة بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، واخيرا كشف ألاعيب الحكومة الجديدة على الشرع المقدّس ، واجتهاداتهم التي لا علاقة لها بأهداف الرسالة فأطلقتها صرخة أحتجاج مدوية لايقاظ همة الامة ، بل هي جلاء للصدأ والرين الذي غلف قلوبهم في وقت غلب عليهم الخوف ، واشتبكت عليهم الامور ، وتصارعت المصالح ، فكان لابد من هزة قوية توقظ النائمين والخائفين ، بل هي محاولة لكسر الجمود و للانتفاض والوقوف بوجه الظلم والانتصار للمثل التي من اجلها بعث رسول الله (ص) ، انتفضت الزهراء بعد ما رأت ما الت اليه الامور ، ووصلت الى حد شراء ذمم الناس ،( فقد ورد : ان الناس لما اجمعوا على ابي بكر قسم قسما بين نساء المهاجرين والانصار ، فبعث الى امرأة من بني “عدي ابن النجار” قسمها مع “زيد ابن ثابت” ، فقالت : ما هذا ؟ قال : قسم قسمه ابو بكر للنساء ، فقالت : أتراشوني عن ديني ؟ ! والله لا اقبل منه شيئا ، فردته عليه(شرح نهج البلاغة:2 : 53) ، ومن هذا نصل الى حقيقة جلية ليس عليها غبار مفادها : اننا نشعر بان سياسة الحاكمين التي انتهجوها منذ اللحظة الاولى سياسة معينة تجاه “ال بيت محمد ” (ص) للقضاء على الفكرة التي امدت الهاشمين بقوة على المعارضة ، كما خنقوا المعارضة نفسها ، ويتبين ان من اولويات هذه السياسة ، الغاء امتياز “البيت الهاشمي” ، وابعاد انصاره والمخلصين له عن المرافق الهامة في جهاز الحكومة الاسلامية يومئذ وتجريده عما له من الشأن والمقام الرفيع في الذهنية الاسلامية ، ومن بوادر هذا الاتجاه ما ذهب الية ” عمر ابن الخطاب ” تهديده بحرق بيت علي (ع) وان كانت فاطمة (ع) وغير فاطمة فيه ، وكذلك وصف ” ابو بكر لعلي (ع) : “بانه مرب كل فتنة وتشبيهه له بانه طحال احب اهلها اليها البغي “، وقد قال عمر بكل وضوح لعلي (ع) : ان رسول الله (ص) منا ومنكم ( الغدير :374 ، بحار الانوار : 292)، لذا رات الزهراء لابد من خطبة قوية بليغة تعيد للامة صوابها فكانت الخطبة الفدكية التي تقول فيها “. . فهيهات منكم ، وكيف بكم ، وأنى تؤفكون ؟ وكتاب الله بين أظهركم ، أموره ظاهرة ، وأحكامه زاهرة ، وأعلامه باهرة ، وزواجره لائحة ، وأوامره واضحة ، قد خلفتموه وراء ظهوركم ، أرغبة عنه تريدون ، أم بغيره تحكمون ، ( بئس للظالمين بدلا )الكهف/5 ،( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين)”ال عمران/185, ان استخدام الزهراء (ع) لفظة”هيهات “للتبعيد والتعجب والاستغراب والدهشة لما يحصل ، ثم استخدامها ايضا ” للاداتين “كيف وانى”اللتان تستعملان للتعجب وهي صيغة بلاغية متطورة اراد ت بها الصديقة ، بيان حال قومها ، والى اين يصرفهم الشيطان ، تاركين كتاب الله والعمل به ، مع ان اموره ظاهرة واضحة للعيان ، ثم توبيخهم وتبيان مصيرهم ، وسوءة فعالهم ثم الخسران المبين، وليس للبتول(ع) من وراء ذلك هدف ماديّ رخيص ، كما يعتقد البعض من مورّخي حياتها ، فهي قد تصرّفت بما من شأنه أن يحفظ الرسالة من “شبح الإنحراف” الذي تنبّأت بوقوعه بعد انتخاب الحكومة الجديدة ، فاتّخذ ت من” فدك” خير فرصةٍ لخدمة المبدأ ، وإلقاء الحجّة على الامّة تأديةً للمسؤوليّة ، ونصراً للرسالة ، وتذكيرا بحق الخلافة لابن عمها وصي رسول الله(ص)، وحفظاً لبيضة الإسلام .
فماذا جنى هؤلاء المتقولون لطمس الحقيقة والناي بها عن عقول الناس ، ولكن للحق صولة ، وتبرق من بين ثنيايا ظلمات الباطل بارقة الحق فتدحض الدعاوي الزائفة والترسبات الغريبة بوميض صدقها وقوة دلالتها واستقامة برهانها “(سلوا فاطمة عن مصائبها/هشام ال قطيط/ ص36)، وتبقى “فدك” اكبر من ذلك كله ، فهي الصرخة السماوية المقدسة التي تجسدت بالزهراء ، وهي الريح القوية التي هزت العروش ، والتي ارادت بها الصديقة اقتلاع الحجر الاساسي الذي بني عليه التاريخ بعد يوم السقيفة ، اذن هي الصرخة التي اطلقتها السماء لايقاظ الامة من سباتها ولايقاظ ضميرها، وستبقى الخطبة الفدكية صرخة مدوية عبر التاريخ, يجلجل ذكرها عروش الظالمين في كل زمان ومكان ، عبرّت فيها مولاتنا فاطمة الزهراء “ع” عن ظلامتها, وهتكت أستر الذين ساسوا الدين بالدنيا ، فأصبحت رمزاً فارقاً بين الحق والباطل لما اشتملت عليه من أسرار وآثار جليلة في العقائد والفقهيات والتي لم توجد إلاّ في كلمات أمراء الكلام ومفاتيحه .
كريم شلال الخفاجي

الكاتب ya fatima

ya fatima

مواضيع متعلقة

اترك رداً