وقفة عَقَدية
خاص شفقنا -القدرُ المتيقّن والمتعيّن: أن لا مقدَّسَ سوى الخالق جلّ وعلا ثم الكتب السماوية والرسل والأنبياء والأولياء المعصومين عليهم الصلاة والسلام أجمعين.
ولكون المقام مقام الزهراء البتول عليها السلام فإنّ قدسية فاطمة بنت محمّد بن عبدالله لا لأجل كونها بضعة خاتم الأنبياء والمرسلين (ص)؛ فهناك من ولد الرسل والأنبياء ما لم يكونوا على الصراط المستقيم.
ولا لأجل كونها حليلة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (ع)؛ فهناك من حلائل المعصومين والأوصياء والأولياء ما لم يكنّ على الصراط المستقيم.
ولا لأجل كونها أُمّ المعصومين (ع)؛ فهناك من أُمّهات المعصومين والأوصياء والأولياء ما لم يكنّ على الصراط المستقيم.
إنّما منشأ قدسيتها رغم شرف البيت ونبل النسب وأصالة الحسب هي ذاتها لذاتها بما هي هي، لا لهذا العَرَض وتلك الجزئية، فلو تجرّدت صلوات الله وسلامه عليها عن كلّ الموارد أعلاه من أبٍ وبعلٍ وولد لَما انثلم من قدسيتها مقدار ذرّةٍ ولا قيد أنملة، حيث الإرادة الإلهية هي أن تكون بذاتها مقدّسةً معصومة.. فما ذهب إليه البعض من كون البيت والحسب والنسب جزء العلّة، لا يساعده الدليل.
ولطالما صرّح النبيّ الخاتم في حقّ الحوراء الإنسية بهذا النصّ وذاك، ولخّص علوّ مرتبتها ورفيع منزلتها بما ورد في مصادر الفريقين: ((إنّ الله يرضى لرضى فاطمة ويغضب لغضبها)).
ولا مندوحة بتوقّف بعض علماء السنّة في صحّة هذا النصّ؛ ولاسيّما بعد قولهم: “ولا شكّ أنّ فاطمة رضي الله عنها وأرضاها قد ورد في فضلها وشرفها… من نصوص الوحي ما يغني طالب الحقّ عن هذا الوضع”، وهو تسليمٌ واضحٌ واعترافٌ ضمني بما لفاطمة من حقٍّ ومرتبة.
أمّا التعلّل بتفاوت لفظ الرواية مع اتّحاد المعنى ، فجوابه سهلٌ عند أرباب الدراية والحديث.. إلى ذلك: فالاستشكال بأنّها قد وُلِدت قبل البعثة بخمس سنين، مردودٌ بالقول المستدلّ المعتضَد المؤيَّد بالقرائن والشواهد بأنّها قد ولدت بعد البعثة بخمس سنين وبعد الإسراء والمعراج بثلاث سنين، بل إنّ تسميتها قد جاءت بأمر السماء، لأنّ الله قد فطمها ومحبّيها من النار.
إنّ صدور “نصّ العصمة “ونظائره لا يمكن أن يكون من باب الإحساس والعاطفة ولا من باب التحنّن والملاطفة؛ إذ أنّى للرسول الخاتم ذلك وهو الذي لاينطق عن الهوى، بل إنّه بلاغٌ إلهي ومنشورٌ أخلاقي وضابطٌ إيماني يكشف ما لفاطمة من عصمةٍ وعلمٍ لدنّي.. إلى ذلك: فما بُحِث من أنّ تكوينتها غير التكوينة البشرية المألوفة، ففيه إشارة إلى مفهوم “تفّاحة الفردوس” وأقرانه.
لذا فتجلّي أمثال “قاعدة اللطف” العقلية في وجودها النوراني وشخصها القدسي ووعائها الطاهر المصفّى، ما كان عن غلوٍّ ولا عن غنوصيةٍ ولاعن تمذهبٍ أعمى، ناهيك عن الأدلّة النقلية المتواترة التي يضيق المقام عن إيرادها واحدةً تلو الأُخرى.
ولابدّ إذن من رحلة معرفية جادّة في فضاء المعنى، في أمثال: “السرّ المستودع” ونظائره، لتفتح أُفقاً منتجاً لإجاباتٍ عن سلسلة تساؤلاتٍ وشبهاتٍ فكريةٍ وعَقَديةٍ وأخلاقية.
كريم الأنصاري
www.ar.shafaqna.com/ انتها
اترك رداً