من حديث المرجع الديني الوحيد الخراساني حول الإمام الباقر

img


أقدم لكم حديثاً عن الإمام الباقر (عليه السلام)، أنا عاجزٌ عن شرحه ، وكل أفكار البشر أصغر من أن تدرك عمقه!
‎ ففي الكافي:3/220، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام)أنه قال لعمرو بن سعيد الثقفي: (إن أُصبتَ بمصيبة في نفسك، أو في مالك ، أو في ولدك، فاذكر مصابك برسول الله ، فإن الخلائق لم يصابوا بمثله قط) . والذي يحير العقل هنا هو تعليله ووصفه (عليه السلام) للمصاب بالنبي (صلى الله عليه وآله) بأن الخلائق لم تصب بمثله! والخليقة عنوان عام يشمل كل مخلوق ، فكيف بجمعه الخلائق؟ وهو محلى بألْ ، فهو يشمل حتى الملائكة المقربين والأنبياء والمرسلين (ع) وما يرى وما لايرى فكل هؤلاء لم يصابوا بمثل رسول الله (صلى الله عليه وآله)
‎ وهو تعليل لايفهمه إلا خواص العلماء ، الذين يدركون من هو النبي ، وماذا فعل ، وماهي مصيبة فقده ، ومن الذين أصيبوا به (صلى الله عليه وآله)؟!
‎ توجد كلمتان تعرفان كل وجود الشخص هما: من كان، وماذا فعل؟ والإمام الباقر نفسه(عليه السلام) يعلم ويدرك أن هذه المصيبة كانت مصيبة بشخص لم يكن أحدٌ مثله، ولم يكن عملُ أحد مثل عمله، لأنه هو الذي قال: فإن الخلائق لم يصابوا بمثله قط ، يعني لافي الماضي ولافي الحاضر ولافي المستقبل! فماذا كان عمل النبي (صلى الله عليه وآله) ، وماذا أعطى للعالم ؟!
‎ هذا بحر محيط لايمكننا التوصل الى قعره ، فخوضه مقصور على الأنبياء والأوصياء (ع)، فهم يدركون أي أمواج انطلقت من بحره (صلى الله عليه وآله)؟!
‎ سأقدم لكم أربع كلمات ، تقال في كل صلاة ، تكفي لأن نفهم ما عمله رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهي: (سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله، والله أكبر ) .
‎ إن لكل واحدة من هذه الكلمات قدرها وحسابها الخاص.. ولنتأمل في أول كلمة منها: سبحان الله ، ولنتجول بفكرنا في شرق العالم وغربه وشماله وجنوبه في كل الأديان والمذاهب بلا استثناء.. لندرك أنه لو لم تكن هذه الكلمة موجودة ، فلا يوجد ارتباط في العالم بين الخالق والمخلوق !
‎العمل الذي قام به رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنه ربط الخلق بخالقهم ! فلو لم يكن النبي موجوداً ، ولا دينه ، فلا وجود لحرف يربط بين الخالق وخلقه ! ولكان العالم كله يدور في زوبعةٍ من الضلال ، ما بين مشبهٍ وملحدٍ وعابدٍ لغير الله تعالى !
‎ يقول أمير المؤمنين (عليه السلام):
‎ (إلى أن بعث الله سبحانه محمداً (صلى الله عليه وآله)رسولاً لإنجاز عدته ، وتمام نبوته، مأخوذاً على النبيين ميثاقه ، مشهورةً سماته، كريماً ميلاده. وأهل الأرض يومئذ مللٌ متفرقة، وأهواءٌ منتشرة ، وطوائفُ متشتتة ، بين مشبِّهٍ لله بخلقه ، أو ملحدٍ في اسمه ، أو مشيرٍ إلى غيره .. فهداهم به من الضلالة ، وأنقذهم بمكانه من الجهالة) . ( نهج البلاغة:1 /24 )
‎ كان العالم كله في تلك الدوامة العاصفة ، بين مشبِّهٍ لله بخلقه ، أو ملحدٍ في اسمه ، أو مشيرٍ إلى غيره ، فجاء (صلى الله عليه وآله)وأخذ منجله النبوي فحصد كل ذلك الحشيش التافه ، وغرس بدله شجرة التسبيح الطيبة ، وأضاء شجرة التهليل والتوحيد، وأنار في العالم مشعل التسبيح والتحميد وأوصل البشر الى مستوى أن يقولوا: ( الله أكبر.. من أن يوصف) !
‎ نفس: سبحان الله ، ماذا تعني؟ هنا تتحير عقول الكمَّل من البشر.. فقد أوصل النبي المعرفة الى هنا! أوصل التنزيه الى هنا.. تنزيهٌ عن الجسم، وتنزيهٌ عن صفات عالم الكون ، وهذا هو التنزيه الإبتدائي لعامة الناس !
‎ قال النبي سبحان الله ، فهدى عقول الألوف كعقل ابن سينا ، بل إن ابن سينا لاقيمة له هناك، لقد هدى النبي (صلى الله عليه وآله) ألوف العقول النيرة كعقول الأنبياء(ع) الى أقصى مايمكنهم أن يجدوا اليه طريقاً في دائرة الوحي وإمكانيات العقل البشري ، والى أدق معاني قوله: كلما ميزتموه بأوهامكم في أدق معانيه ، فهو مخلوق مصنوع مثلكم ، مردود إليكم ! ولا غرو فهو (صلى الله عليه وآله) نبي الأنبياء! (2)
‎ نعم ، هذه هي كلمة: سبحان الله التي أتى بها ! وهذا هو العمل الذي عمله في تعريف البشر بالله تعالى! فكل ما في هذا العالم من تسبيح لله تعالى ، فإنما هو من كلمات شفتيه ، وكل ما في العالم من تحميد لله تعالى ، فأصله من لفظ لسانه الشريف. وكل ما فيه من توحيد فمنبعه من نطق فمه المبارك. وكل ما فيه من تكبير، فمنطلقه من صوته النبوي .
‎ هذا ما عمله النبي (صلى الله عليه وآله) في تعريف الخلق بخالقهم تبارك وتعالى .
‎ أما ما عمله مع خلق الله تعالى ، فإن النموذج الواحد منه يحتاج شرحه الى كتاب! في ذلك الوقت الذي انهزم المسلمون في أحد ، وتركوا النبي (صلى الله عليه وآله) وحده مع علي أمام سيوف قريش الحاقدة ، فقاتل (صلى الله عليه وآله) ومعه علي (عليه السلام) فقط ، قاتلا بعد أن جرح أبو دجانة لساعات يردَّان هجمات المشركين المستميتة لقتل النبي (صلى الله عليه وآله) حتى جرح في جبهته الشريفة وكسرت مقدمة أسنانه، وهذا ما لم يحدث له في كل حياته ، فأي جبهة جرحت يومئذ، وأسنان أي فم كسرت؟ لقد تزلزلت أركان العالم ، فالعالم قشرٌ والنبي لبه ، وإذا تضرر اللب فما قيمة القشر ؟!
‎ في ذلك الظرف ، قالوا له: يارسول الله أدع عليهم.. في ذلك الوقت وقد سال ذلك الدم المقدس من جبهته وفمه ، فوق قميصه الخام ، ذلك القميص الذي لم يفتح إلا عندما لبسه النبي (صلى الله عليه وآله) يومها ، ثم طواه ليفتحه بيده ولده الموعود الإمام المهدي (عليه السلام)! قيل له: أدع عليهم فرفع يديه الى السماء وقال: اللهمَّ اهْدِ قومي، فإنهم لايعلمون !
‎ هذا ماعمله للخلق: إلهي أريد منك لهؤلاء بدل العذاب الذي يستحقونه أن ترحمهم وتنعم عليهم ! بأي نعمة ؟ بنعمة الهداية التي هي أغلى جوهر في العالم ! ولمن طلبها النبي (صلى الله عليه وآله)؟
‎لهؤلاء الذين أصروا وما زالوا مصرين على قتله ، وجرحوه في جبهته وفمه الشريف !
‎ ثم لم يقل (صلى الله عليه وآله): اللهم اهدهم فقط ، بل قال: إهْدِ قومي ! فأضافهم الى نفسه ليجر الرحمة الإلهية من المضاف اليه الى المضاف !
‎ أيها الرسول العظيم ! ماذا فعلت ، ومن كنت ؟! وبماذا جئت ؟!
‎قال: يارب هؤلاء قومي ، وبحث لهم عن عذر أمام الله: فإنهم لايعلمون ، فاقبل مني يا رب عذر هؤلاء الجهال ، لعلهم يعلمون !!
‎ هذا مافعله النبي لمعرفة الخالق ، ولخدمة الخلق !
‎ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ . ( سورة الأنبياء: 107)
‎ وأختم حديثي بهذه الحادثة :
‎ عند رحلته (صلى الله عليه وآله)جاءته أحب عترته اليه الصديقة فاطمة الزهراء (عليها السلام) وجلست عنده ، وقد روت مصادر الحديث عند الفريقين أجزاء من الحديث الذي دار بينهما ، منها هذا الرواية ، أرجو أن تتأملوا في كلماتها خصوصاً في ختامها ، واشرحوا للناس وبينوا لهم أن النبي (صلى الله عليه وآله)هو هذا ، وأن دينه الإسلام هو هذا ، عرفوهم بالدين وبصاحب الدين (صلى الله عليه وآله)، حتى يشملكم صاحب الزمان (عليه السلام) برضاه وعنايته . عرفوهم من هو نبينا (صلى الله عليه وآله)، وكيف كان يعيش، وما حققه وأنجزه للبشرية، وأبعدوا الأوهام عن وجه هذا الدين الجميل المشرق، حتى يعرف الناس ما هو ، ومن هو الذي أتى به (صلى الله عليه وآله)؟!
‎ قالت له فاطمة (عليها السلام): يا أبَهْ ، أنا لا أصبر عنك ساعة من الدنيا ، فأين الميعاد غداً ؟ لا أصبر عنك ساعة ، يعني أستطيع أن أفارق الحسن ، وأن أفارق الحسين ، وزينب ، لكني لا أستطيع فراقك !
‎فبشرها بأنها ستلتحق به عما قريب .. قال لها: أما إنك أول أهلي لحوقاً بي… قالت: يا أبت فأين ألقاك يوم القيامة؟ قال: انظري عند الميزان وأنا أنادي: رب أرجح من شهد أن لا إله إلا الله . قالت: فإن لم أرك هناك؟ قال: على جسر جهنم . قالت: يا أبه أليس قد حرم الله عز وجل جسمك ولحمك على النار؟ قال: بلى، ولكني قائم حتى تجوز أمتي. قالت: فإن لم أرك هناك؟ قال: تريني عند القنطرة السابعة من قناطر جهنم ، أستوهب الظالم من المظلوم . قالت: فإن لم أرك هناك؟ قال: تريني في مقام الشفاعة وأنا أشفع لأمتي). (3)
‎ إن العقل ليتحير لهذا الرسول الشفيع الشفيق !
‎ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ. ( سورة الأنبياء: 107 ) .
‎ هذا مافعله ويفعله رسول الله للبشر (صلى الله عليه وآله) !
‎ وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماًمَحْمُوداً . ( الإسراء: 79 )

آيةاللهالعظمىالشيخحسينالوحيدالخراسانيدامظله_الوارف

ستموتونجميعاوسيبقى_المذهب

شهادةرسولالله_ص

٢٨_صفر

الكاتب ya fatima

ya fatima

مواضيع متعلقة

اترك رداً