من الآيات القرآنية النازلة في حق فدك

img


الآية الثّالثة: قال تعالى: {ما أفاءَ اللهُ عَلَى رَسُوله منُهم فَمَا أوجفَتُم عَلَيه من خَيل وَلا ركاب وَلكنّ اللهَ يُسَلّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشاء وَاللهُ عَلَى كُلّ شيء قديرٌ * مَا أفَاء اللهُ عَلَى رَسُوله من أهل القُرَى فَلله وَللرسُول وَلذي القُربى وَاليَتَامَى وَالمَسَاكين وَابن السّبيل كي لا يَكُونَ دُولةً بَينَ الأغنياءَ منكُم وَمَا ءاَتَاكُمُ الرّسول فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُم عَنهُ فَانتَهُوا وَاتّقُوا اللهَ إنّ اللهَ شَديدُ العقَاب}(2).
فمن المصادر المُصرّحة بنزول هذه الآية الكريمة بشأن فدك وإعطائها إلى سيّدة نساء العالمين فاطمة الزّهراء (عليها السلام):
1ـ تفسير فُرات الكوفي.
حدّثنا زيد بن مُحمّد بن جعفر العلوي، قال: حدّثنا مُحمّد بن مروان، عن عبيد بن يحيى، عن مُحمّد بن عليّ بن الحُسين (عليهما السلام) قال: لمّا نزل جبرئيل (عليه السلام) على رسول الله (صلى الله عليه وآله) شدّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) سلاحه، وأسرج دابّته، وشدّ عليّ (عليه السلام) سلاحه وأسرج دابّته، ثمّ توجّها في جوف الليل، وعليّ (عليه السلام) لا يعلم حيث يريد رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتّى انتهيا إلى فدك، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
ـــــــــــــــــــــــ
(1) شواهد التّنزيل: 1 / 570 ح 608، عنه إحقاق الحقّ: 14 / 618.
(2) الحشر: 6 ـ 7.

الصفحة 57
يا عليّ تحملني أو أحملك؟ قال عليّ (عليه السلام): أحملك يا رسول الله. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا عليّ، بل أنا أحملك، لأنّي أطول بك ولا تطول بي. فحمل عليّاً (عليه السلام) على كتفيه، ثمّ قام به، فلم يزل يطول به حتّى علا على سور الحصن، فصعد عليّ (عليه السلام) على الحصن، ومعه سيف رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأذّن على الحصن وكبّر فابتدر أهل الحصن إلى باب الحصن هرباً، حتّى فتحوه وخرجوا منه، فاستقبلهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) بجمعهم، ونزل عليّ (عليه السلام) إليهم، فقتل عليّ ثمّانية عشر من عظمائهم وكبرائهم، وأعطى الباقون بأيديهم، وساق رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذراريهم ومن بقي منهم، وغنائمهم يحملونها على رقابهم إلى المدينة. فلم يوجف فيها غير رسول الله (صلى الله عليه وآله) فهي له ولذرّيته خاصّة دون المؤمنين.(1)
2ـ الخرائج والجرائح للرّاوندي.
روي عن أبي عبد الله (عليه السلام): إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) خرج في غزاة، فلمّا انصرف راجعاً نزل في بعض الطّريق، فبينما رسول الله (صلى الله عليه وآله) يطعم والنّاس معه، إذ أتاه جبرئيل، فقال: يا مُحمّد، قُمّ فاركب. فقام النّبيّ (صلى الله عليه وآله) فركب وجبرئيل معه، فطويت له الأرض كطيّ الثّوب، حتّى انتهى إلى فدك. فلمّا سمع أهل فدك وقع الخيل، ظنّوا أنّ عدوّهم قد جاءهم، فغلّقوا أبواب المدينة، ودفعوا المفاتيح إلى عجوز لهم في بيت لهم خارج المدينة، ولحقوا برؤوس الجبال. فأتى جبرئيل العجوز حتّى أخذ المفاتيح، ثمّ فتح أبواب المدينة، ودار النّبيّ (صلى الله عليه وآله) في بيوتها وقراها، فقال
ـــــــــــــــــــــــ
(1) تفسير فُرات: 473 ح 619، عنه البحار: 29 / 109 ح 3.

الصفحة 58
جبرئيل: يا مُحمّد، هذا ما خصّك الله به وأعطاكه دون النّاس، وهو قوله تعالى: {مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القُربى} في قوله: {وَمَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاء} ولم يعرف المُسلمون، ولم يطأوها، ولكنّ الله أفاءها على رسوله، وطوّف به جبرئيل في دورها وحيطانها، وغلّق الباب، ودفع المفاتيح إليه، فجعلها رسول الله (صلى الله عليه وآله) في غلاف سيفه، وهو معلّق بالرّحل، ثمّ ركب، وطويت له الأرض كطيّ الثّوب، ثمّ أتاهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهم على مجالسهم، ولم يتفرّقوا ولم يبرحوا، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قد انتهيت إلى فدك، وإنّي قد أفاءها الله عليّ، فغمز المُنافقون بعضهم بعضاًّ! فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): هذه مفاتيح فدك! ثمّ أخرجها من غلاف سيفه، ثمّ ركب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وركب معه النّاس، فلمّا دخل المدينة، دخل على فاطمة (عليها السلام)، فقال: يا بنيّة، إنّ الله قد أفاء على أبيك بفدك، واختصّه بها، فهي له خاصّة دون المُسلمين، أفعل بها ما أشاء، وإنّه قد كان لاُمّك خديجة على أبيك مهر، وإنّ أباك قد جعلها لك بذلك وأنحلتكيها لك، ولولدك بعدك. قال: فدعا بأديم، ودعا عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) فقال: اكتب لفاطمة (عليها السلام) بفدك نحلة من رسول الله، فشهّد على ذلك عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ومولى لرسول الله، واُمّ أيمن. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنّ اُمّ أيمن امرأة من أهل الجنّة. وجاء أهل فدك إلى النّبيّ (صلى الله عليه وآله) فقاطعهم على أربعة وعشرين ألف دينار في كُلّ سنة.(1)
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الخرائج والجرائح: 1 / 112 ح 187، عنه البحار: 29 / 114 ح 10.

الصفحة 59
3ـ تفسير الرّازي.
قال الفخر الرّازي في قوله تعالى: {وَمَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ…} ومعنى الآية أنّ الصّحابة طلبوا من الرّسول عليه الصّلاة والسّلام أن يقسّم الفيء بينهم كما قسّم الغنيمة بينهم! فذكر الله الفرق بين الأمرين، وهو أنّ الغنيمة ما أتعبتم أنفسكم في تحصيلها، وأوجفتم عليها الخيل والرّكاب بخلاف الفيء، فإنّكم ما تحمّلتم في تحصيله تعباً، فكان الأمر فيه مفوّضاً إلى الرّسول يضعه حيث يشاء… وذكر المُفسرون ههنا وجهين: الأوّل: إنّ هذه الآية ما نزلت في قرى بني النّضير؛ لأنّهم أوجفوا عليهم بالخيل والرّكاب وحاصرهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) والمُسلمون، بل هو في فدك، وذلك لأنّ أهل فدك انجلوا عنه، فصارت تلك القُرى والأموال في يد الرّسول (صلى الله عليه وآله) من غير حرب، فكان عليه الصّلاة والسّلام يأخذ من غلّة فدك نفقته ونفقة من يعوله، فلمّا مات ادّعت فاطمة (عليها السلام) أنّه كان ينحلها فدكاً….(1)
أقول: يطول بنا المقام إذا أتينا على جميع الأحاديث المُتعرّضة لهذا الموضوع، فقد أجمعت تفاسير الشّيعة، وتظافرت رواياتها بأسانيد مُتكثّرة مُعتبرة، وألفاظ مُختلفة بأنّ فدكاً هي ممّا أفاءه رسول الله (صلى الله عليه وآله) ـ بأمر من البارئ عزّ وجلّ ـ على فاطمة (عليها السلام) وولدها، لذا نكتفي بما أوردناه من روايات الفريقين، ففيه كفاية لمن رام الحقيقة وتجرّد عن العصبية. ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العليّ العظيم.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) تفسير الرّازي: 29 / 283 (ط3 ـ دار إحياء التّراث العربي. بيروت)

الكاتب ya fatima

ya fatima

مواضيع متعلقة

اترك رداً