منهاج ووسيلة
السيد فاضل علوي آل درويش 19 / 2 / 2019م – 8:33 ص
ونحن نقف إجلالا وإكبارا بين يدي قامة شامخة في سماء العظمة والشموخ، لابد لنا أن نستعرض شيئا من تلك المواقف الخالدة لهذه السيدة الجليلة اتعاظا واعتبارا، فالسيدة أم البنين مدرسة ومنهجية فكر وعمل علينا التأسي بمآثرها، فقد جسدت الإيمان والعطاء تطبيقا في أجمل صوره، وبنظرة سريعة نجمل بعضا من هذه الشذرات والإضاءات المشرقة.
في صورة منقطعة النظير نجد هذه العظيمة تقدم على بيت زوجها كزوجة أخرى له، وأجمل ما ينتظر منها أن تحسن لهم وتعاملهم برفق ومحبة، وإذا بها تقدمهم على أولادها الأربعة مستعينة في ذلك بعقيدتها الراسخة في محبة أهل بيت رسول الله والولاء لهم، فالشرف – كل الشرف – في خدمتهم، ورسخت في ذهنية أبنائها تلك المكانة العالية للحسنين والحوراء زينب وأم كلثوم أبناء رسول الله ﷺ، فإن جمعهم أب واحد وهو أمير المؤمنين ولكن الحسنين أبناء فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين وسيد المرسلين محمد ﷺ، وقد أثمرت تلك التربية على تعظيم أهل بيت النبي في نفوس أولادها، وهو ما نراه جليا في تعامل العباس وإخوته وتبجيلهم للإمام الحسين ، وأوصتهم بأن يكونوا فداء وتضحية من دون نفسه وصوته المستنكر للظلم والفساد.
فهذه التضحية الكبيرة من أم البنين بأبنائها الأربعة موضع اعتبار واقتداء في طريق القرب والرضا الإلهي، من خلال تحمل مسئولية فريضة النهي عن المنكر والطاعة لأولياء الله تعالى، فدورها التضحوي في مسيرة ألنهضة الحسينية سيبقى خالدا ممجدا.
وعلى القول أن تكنيتها بأم البنين كانت على يدي أمير المؤمنين في ليلة زفافها، لما طلبت منه أم البنين أن لا يناديها باسمها مخافة على قلب الحسنين من الانكسار بتذكر أمهما الزهراء ، في موقف عظيم يحكي عن رهافة مشاعرها ورقة قلبها العطوف ورجاحة عقلها، فهي لا تتحمل أن ترى الدموع تترقرق على خدي الحسنين مجددة عليهما المآسي والأحزان، فبوركت نفس معطاءة وعطوفة كأم البنين.
عنوان الكمال والسمو في علياء الإيمان والعفة وجمال الروح نأخذها من هذه الشخصية الجامعة لمكارم الأخلاق، وذلك أننا نواجه في الحياة مواقف وتحديات وصعوبات تحتاج إلى إرادات قوية ونفوس قوية لتجاوزها بسلام، واستعراض شيء من سيرتها في علاقتها بربها وتعاملها الراقي وخلقها الرفيع يضعنا على سكة الطهارة ونزاهة النفس والقوة في مواجهة التحديات والصعوبات بحكمة وصبر.
وهذه المقامات الرفيعة التي حازتها أم البنين لم تأت لمجرد كونها حليلة لأمير المؤمنين وأما للأقمار الشهداء الأربعة، بل بذلت الجهد الكبير في تزكية نفسها من الأهواء والتولع بحطام الدنيا الزائل، ولقد أبرزت الصعاب والمحن مواقفها العظيمة في وقت تخاذل أناس وتكالب على الدنيا آخرون، متجردة من حب النفس المطلق بل أطلقت العنان لعطائها بأبعد الحدود وأوسعها، فخلدت ذكرها في النفوس المتطلعة للكمال بأحرف ذهبية.
اترك رداً