مناقب و مدائح أمير المؤمنين عليه السلام في كلام المرجع الديني الشيخ لطف الله الصافي مد ظله

مختار من مقدمة كتابه : ” قبس من مناقب أمير المؤمنين عليه السلام”
وماذا يقول الناس في مدح من أتت
مدائحه الغراء في محكم الذكر
لا يخفى: أنّ سكوت الفصحاء والبلغاء، والعلماء والحكماء، والعرفاء والأولياء أمام مناقب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أخ الرسول وزوج البتول، أعلم الناس وأعرفهم باللَّه وأعبدهم له بعد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، أبلغ من أن يمدحوه بما وصلوا إليه من معرفة فضائله، ومراتبه الرفيعة، ومقاماته العلية، ومشاهده الجلية الجليلة، ومعجزاته الظاهرة الباهرة، وعجائب أمره.
فالاعتراف بالعجز في حظيرة قدسه ومشهد عظمته أولى لكل أحد، وهو كما خاطبه النبيّ صلى الله عليه و آله في حقّه حقّاً: «لو أنّ الإنس كتّاب والجن حسّاب ما أحصوا فضائلك»، وهو الذي جعل اللَّه له فضائل لا يحصى عددها غيره والذي خاطب اللَّه تعالى نبيّه ليلة المعراج بلغته.
وقال بعض أصحاب النبي صلى الله عليه و آله فيه: لقد كان لعلي من السوابق ما لو أنّ سابقة منها بين الخلائق لوسعتهم خيراً[1].
ولقد كان- عليه أفضل الصلاة والسلام- أعظم آية اللَّه تعالى ولعلمه وقدرته وسائر صفاته العليا. وليس له بديل ولا شبيه يعادله في عالم الإمكان إلّاابن عمه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله الذي كان له صلى الله عليه و آله ظهير بلا نظير.
ولقد كان عظيماً في بطولاته وتضحياته، عظيماً في نصرة الحق وإقامة العدل، عظيماً في إعلاء كلمة اللَّه، عظيماً في رحمته للضعفاء ومواساته للفقراء، عظيماً في خوفه من اللَّه تعالى، وفي فصاحته وبلاغته، ومأكله وملبسه ومشربه، وفي كل أحواله وأفعاله.
فتعالى اللَّه العليّ العظيم خالق هذا الإنسان ومودع هذه العظمات والكمالات فيه، وتبارك اللَّه المتصاغر لعظمته هذا الإنسان والمتذلل لجلاله وجبروته وسلطانه، والخائف من كبريائه، والمعترف عنده بعجزه وفقره إليه، وهو الذي قال: إلهي كفى لي عزّاً أن أكون لك عبداً، وكفى لي فخراً أن تكون لي ربّاً.
فهو الممسوس في ذات اللَّه، والبكّاء من خشية اللَّه، والمجاهد في سبيل اللَّه، وهو الصراط المستقيم، والعروة الوثقى وحبل اللَّه المتين، وميزان الأعمال، وقسيم الجنة والنار، ويداللَّه الباسطة، وعينه الناظرة، وحجته البالغة.
ويعجبني هنا نقل كلام الشارح المعتزلي، إذا قال- في شرح قوله عليه السلام في كتاب له إلى معاوية «فإنّا صنائع ربّنا والناس بعدُ صنائع لنا»[2]-:
«هذا كلام عظيم عالٍ على الكلام، ومعناه عالٍ على المعاني. وصنيعةُ الملِك من يصطنِعُه الملك ويرفع قدره. يقول: ليس لأحد من البشر علينا نعمة، بل اللَّه تعالى هو الذي أنعم علينا، فليس بيننا وبينه واسطة، والناس بأسرهم صنائعنا، فنحن الواسطة بينهم وبين اللَّه تعالى،..»[3] انتهى.
ونرى من جانب آخر صاحب هذه المفاخر العظيمة يتململ من خوفه تعالى كتململ السليم، وكان كما وصفه بعض أصحابه غزير الدمعة طويل الفكرة، يحاسب نفسه إذا خلى، ويقلب كفيه على ما مضى ويبكي ويقول: «آه من قلة الزاد وبعد السفر وقلة الأنيس، ما لعليّ ونعيم يفنى ولذة لا تبقى. ويقول: ألا وإنّ إمامَكم قد اكتفى من دنياه بطمرَيْه، ومن طُعْمِه بِقُرصَيه … فواللَّه ما كنزْتُ من دنياكم تِبْراً ولا ادَّخرت من غَنائمها وَفْراً ولا أعددتُ لِبالي ثَوْبي طِمْراً»[4].
فماذا نقول عن نفس الرسول الذي قال صلى الله عليه و آله في حقه: إنّك تسمع ما أسمع وترى ما أرى إلّا أنّك لست بنبيّ. فما نحن والكلام عن أمير المؤمنين ومولى الموحدين عليه السلام إلّا كالقطرة في جنب البحر والذرة في جنب الشمس، فعقول العالمين ولسان المادحين أقصر من أن ينال حق هذا الإمام عليه السلام.
لكنني كنت من أوّل ما عرفت نفسي مولعاً بذكره عليه السلام وأولاده الأئمة الكرام عليهم السلام، وكان يزيد ذلك في نفسي بمرور الأيام والأعوام ويزيد شوقى وينفتح قلبي بقراءة أحاديثهم وآثارهم وسماع مناقبهم ومدايحهم، وكأنّ القائل قال هذين البيتين بلسان حالي:
حبُّ آل الرسول خالط عظمي
وجرى في مفاصلي فاعذروني
أنا واللَّه مغرم بهواهم
عللوني بذكرهم عللوني
لا عذب اللَّه أمّي أنّها شربت
حب الوصي وغذتنيه باللبن
وكان لي والد يهوى أبا حسن
فصرت من ذي وذا أهوى أبا حسن
اترك رداً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.