مدرسة الشرف والتضحية

img

السيد فاضل علوي آل درويش .
الوقوف عند محطة العظماء واستذكار شذرات من سيرهم العطرة ليس من الترف الفكري أو العبث بصفحات التاريخ الماضية، وإنما هو من صلب القاعدة التربوية المسهمة في بناء الأجيال وتشييد الهمة والطموح والتزام القيم عندهم، من خلال تقديم القدوة المتأساة بها والتي جسدت معالم الحق والرشد والفضيلة في حياتها، فأي مفردة تربوية يمكنها أن تزرع الاستقامة والنباهة في فكر الإنسان أقوى من استعراض سير العظماء، وما كانوا عليه من خلق رفيع نادوا به وطبقوه عمليا، فإنها من المصائب المذهلة أن تسمع من شخص تحبه وتحترمه كل المصطلحات الأخلاقية ويدغدغ بها عقلك ومشاعرك، ثم تصدم بأن سلوكه وتصرفاته بعيدة – كل البعد – بل وتباين ما يتفوه به، وأما أولئك العظماء فعندما دعوا إلى الزهد في الدنيا لم نجد فيما خلفوه من ورث سوى العلم والأدب، وتركوا نعيم الدنيا الزائل فلم تتيم قلوبهم به، وكانوا مورد العطاء والإنفاق وقضاء حوائج الناس، أفلا تكون سيرتهم رافدا ومشجعا للتحلي بالقيم؟
فما نقول ونحن نقف بين يدي أم العطاء والتضحيات، والتي قدمت في سبيل الله ونشر راية الإصلاح ودفع الظلم وإيقاظ الضمائر المخدرة أربعة من أبنائها الأبطال، وكان عزاؤها الوحيد هو احتسابهم عند الرب الجليل؛ لتبقى سيرة تفانيها مضرب الأمثال وقدوة للرجال والنساء، أفلا تستحق مثل هذه الخالدة الفهمة أن تكون أهم نموذج يقدم للأجيال عندما يجري الحديث عن عوامل النهوض والازدهار؟!
ولما دعوا إلى مواجهة الظلم والعدوان على ثوابت الدين ومقدرات الأمة، كانوا هم الصف الأول في مواجهة الطغيان والإنكار عليه فيما يقدم عليه من منكرات ودعوات للانحلال الأخلاقي وتجاوز الخطوط الحمراء لحرمات الله تعالى، فلم يبخلوا بأنفسهم وأهليهم في ساحات الشرف والكرامة، وما كان لعوامل القهر والتخويف بأقسى درجات التنكيل والقتل أي تأثير في خور إراداتهم أو ضعف عزائمهم، بل واجهوا بكل شجاعة وصلابة أصوات الباطل والضلال وحرابه المشهورة.
فهذه المرأة العظيمة المجاهدة أم البنين تقدم في ساحة العزة والإباء في كربلاء مهجها وفلذات كبدها ليجاهدوا ويضحوا بأنفسهم، أفتكون هناك ثمة محطة تحفيز وتشجيع نحو التضحية أعظم من تقديم سيرتها للأجيال الواعية؛ ليستلهموا منها دروس العطاء والوعي، والمساهمة الفعالة بكل غال ونفيس في سبيل رفع راية الحق والهدى.
وأي قدوة إيمانية تقدم للأمة الواعية كمثال يحتذى به في العفة والشرف وملازمة محراب الطاعة والعبادة ومحالفة الورع عن محارم الله تعالى كسيدة نساء العالمين والحوراء زينب وأم البنين وبقية نساء أهل البيت ، فكانت أم البنين مثال الزوجة العفيفة الواعية بحقوق زوجها، فكانت مسكنه الآمن وموئل راحة نفسه من هموم التبليغ والجهاد، وهي الأم المربية لأبنائها على أصول التربية التهذيبية، افلا تكون أخلاقها الأسرية أهم مفردات منهج العلاقات الزوجية والأسرية؛ لينعم الناس بهدوء واستقرار العش الزوجي، وينالوا حظهم من السعادة في الدارين؟
كما أن صوت الحق المؤازر بعقل رشيد يسطر من المواقف والمسارات الواعية والنبيهة في الأمة، وأم البنين صاحبة الفصاحة والبلاغة والمنطق السديد، سجلت بنفسها موقف الرفض للظلم وانتهاك حرمة أهل البيت في الطف، فأقامت في المدينة المنورة مجالس العزاء والرثاء النسائي على مصاب السبط الشهيد؛ لتفضح تلك المؤامرة الكبرى والفاجعة النكرى باستحلال الدماء الزاكية لبقية الله في أرضه.

الكاتب ya fatima

ya fatima

مواضيع متعلقة

اترك رداً