محروم من حرم خيرها
السيد فاضل علوي آل درويش 28 / 5 / 2019م – 8:42 م
ورد عن مولاتنا فاطمة الزهراء عن ليلة القدر العظيمة: «… محروم من حرم خيرها» «بحار الأنوار ج 94 ص 10».
للمؤمن فطنة ووعي تضع له الحقائق قبل أن يخطو خطوة أمامه، ولذا فإنه يزن أموره فلا يتخطى تلك الفرص السانحة التي تكون سهلة المأونة وثمارها كثيرة، ومن تلك الفرص ليلة القدر التي جعلها سبحانه لعباده الذين خالفوا أهواءهم واتجهوا نحو يقظة روحية تنعشها تلك الأجواء الروحية فيها.
الحرمان الحقيقي لا يكون بفوات شيء من حظوظ الدنيا فإنها رزق لم يكتبه سبحانه له، ولكنه الخسارة الفادحة بتفويت تلك الفرصة السانحة والنفحة الإلهية لصناعة الإنسان النقي وصاحب القوة النفسية والهمة العالية لاغتنام عمره وخصوصا هذه المحطات العبادية، ففي المعاملات التجارية والاستثمارية من يفوت فرصة ربح بنسبة بسيطة جدا يعد مغفلا، فكيف بمن سيجني لرصيده الأخروي ثوابا عظيما لا يحصى، وأول نتائجه تصفية ذنوبه ليستأنف العمل مجددا متخففا من وزر ما ارتكبه من ذنوب، وأما ما بعده من جوائز سنية فتتحرك قوى المؤمن نحو ولوج باب ليلة القدر بنفس عارفة بحقها ومؤدية لاستحقاقاتها، فإنها ليلة لا تحجب فيها الدعوات الصادقة.
هل يمكن التهيؤ والاستعداد لليلة القدر العظيمة دون معرفة بقيمتها وأهميتها ودورها في البناء الروحي والأخلاقي والاجتماعية في شخصية من يحييها؟
إنها ليلة عظيمة جعلها الباري عز وجل نفحة من نفحاته التي يهبها لعباده السائرين في طريق قربه ورضاه، فمن عرف قدرها تأهب بكل قواه النفسية لاستقبال جوائزها وحقق الشروط اللازمة للاستفادة منها، وأول الاستعدادات محاسبة النفس والتفكر في الدار الآخرة؛ لينتقل إلى تطهير نفسه من دنس الأهواء والذنوب بالتوبة وتحصيل الخشية منه عز وجل والورع عن محارمه، فهذه النزاهة النفسية والصفاء القلبي يمنح المؤمن قدرة على تلقي خيرات ليلة القدر، فالأعمال الصالحة والنهج العبادي في تلك الليلة له ثواب مقدر بثواب ألف شهر، والمغفرة الإلهية في تلك الليلة تفتح على مصراعيها فيعتق من رقاب العباد من نار جهنم ما لا يحدث في غيرها.
وهل المؤمن المترقب لتلك الليلة وضع في حسبانه الاستعداد لما تنزل به الملائكة من خيرات عميمة؟
في جلسة وخلوة هادئة مع نفسه يبعد فيها تفكيره عما يشتته عن التركيز، ويحاسب نفسه على تقصيره وأخطائه ويتخذ الخطوات التصحيحية نحو الإنابة لربه، فمن كان نقي السريرة ونادما على ما اقترفه من سيئات يستحق هذا التكريم واستغفارهم له مع زمرة المتضرعين، وأما من أصر على ارتكاب الخطايا فلم تحدثه نفسه بتوبة نصوح تطهره، أو أبى التخلص من سواد القلب بسبب خلافات أدت إلى خصومات وقطيعة مع أحد فحرم سلامة القلب، أو كان ما يمنع من قبول أعماله افتقادها لقصد الإخلاص فشابها الرياء أو العجب، فهو قد حرم نفسه بسبب شقوته من التنعم والظفر بفرصة استثنائية لا تتكرر في عامه مرتين.
وآه ممن يحيا الغفلة فلا تتحرك نفسه نحو اغتنام الفرص، فقد أقعدته همته الضعيفة عن الاستعداد لتلك الليلة، فمن فوتها لحقه الخسران والتحسر على سبب قوي لعفو ربه وفلاحه في الدارين.
وتفويت جوائز هذه الليلة العظيمة تدخل في نطاق خطوات الشيطان ومكره، فيشغل المرء نفسه بكل شيء ما عدا الاتجاه نحو تقوية علاقته بربه، وأما من نظم وقته وجعل لكل من حاجات روحه وجسده نصيبا، فالتكاسل عن إصلاح النفس وضعف الهمة عن إتيان العمل الصالح له نتائجه الوخيمة عليه، ولابد من وقفة صادقة يعالج فيها حالة الخمول التي يعاني منها.
اترك رداً