كاشف الغطاء والزهراء..

img

نص الشبهة:
بسم الله الرحمن الرحيم أرجو من سماحة السيد الإجابة عن هذا الاستفسار.. في كتاب جنة المأوى لآية الله العظمى الإمام الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء قدس سره ينفي فيها ضرب الزهراء عليها السلام ولطم خدها (جنة المأوى، محمد حسين كاشف الغطاء قدس سره ص 135 دار الأضواء بيروت 1988م).
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد..
فإنني في سياق الإجابة على هذا السؤال أسجل النقاط التالية:
أولاً: إن القاعدة الثابتة تقول ـ وهذا هو ما علمناه أهل بيت العصمة عليهم السلام ـ: إن أقوال الرجال فيما عدا أهل بيت العصمة ليست أدلة على ثبوت الحقائق، أو نفيها، من حيث هي اجتهادات واستنتاجات حدسية لهم، وإنما الحجة منها هو ما ينقل الحدث، ويحكيه لنا، إذا توافرت فيه سائر شرائط الحجية..
ثانياً: إن في كلام كاشف الغطاء نفسه ما يثبت الهجوم على بيت الزهراء عليها السلام، وأنها تعرضت للضرب ولإسقاط الجنين، ولإحراق باب بيتها صلوات الله وسلامه عليها، فقد قال رحمه الله في قصيدة له:
و في الطفوف سقوط السبط منجدلاً *** من سقط محسن خلف الباب منهجه
و بالخيام ضرام النار من حطبٍ *** بباب دار ابنة الهادي تأججه 1
ثالثاً: إن من يرجع إلى كلام كاشف الغطاء في جنة المأوى يلاحظ ما يلي:
ألف: إن في كلامه تأكيدات صريحة، وقوية جداً على أن الزهراء عليها السلام قد ظلمت وضربت، ولم نجد أحداً قد أكد على حدوث هذا الأمر بالمستوى الذي أكده كاشف الغطاء رحمه الله..
وهذه هي عبارته:
«.. طفحت واستفاضت كتب الشيعة من صدر الإسلام القرن الأول: مثل كتاب سليم بن قيس، ومن بعده إلى القرن الحادي عشر وما بعده، بل وإلى يومنا كل كتب الشيعة التي عنيت بأحوال الأئمة، وأبيهم الآية الكبرى، وأمهم الصديقة الزهراء صلوات الله عليهم أجمعين، وكل من ترجم لهم، وألف كتاباً فيهم، أطبقت كلمتهم تقريباً أو تحقيقاً في ذكر مصائب تلك البضعة الطاهرة:
إنها بعد رحلة أبيها المصطفى ضرب الظالمون وجهها، ولطموا خدها، حتى احمرت عينها، وتناثر قرطها، وعصرت بالباب حتى كسر ضلعها، وأسقطت جنينها، وماتت وفي عضدها كالدملج.
ثم أخذ شعراء أهل البيت سلام الله عليهم هذه القضايا والرزايا، ونظموها في أشعارهم ومراثيهم، وأرسلوها إرسال المسلمات: من الكميت، والسيد الحميري، ودعبل الخزاعي، والنميري، والسلامي، وديك الجن، ومن بعدهم، ومن قبلهم إلى هذا العصر.
وتوسع أعاظم شعراء الشيعة في القرن الثالث عشر، والرابع عشر الذي نحن فيه، كالخطي، والكعبي، والكوازين، وآل السيد مهدي الحليين، وغيرهم ممن يعسر تعدادهم، ويفوت الحصر جمع آحادهم.
وكل تلك الفجائع والفظائع، وإن كانت في غاية الفظاعة والشناعة، ومن موجبات الوحشة والدهشة ولكن يمكن للعقل أن يجوزها وللأذهان والوجدان أن يستسيغها، وللأفكار أن تقيلها وتهضمها، ولاسيما وأن القوم قد اقترفوا في قضية الخلافة، وغصب المنصب الإلهي من أهله، ما يعد أعظم وأفظع الخ..» 2.
ب: ثم إنه يعقب كلامه هذا بإظهار دهشته وحيرته من حصول هذا الأمر، ثم يبرر هذه الحيرة وتلك الدهشة، بمبررات من شأنها أن تعرِّف الناس على أن الفاعلين قد تجاوزوا كل هذه الحدود الشرعية، والعرفية، والوجدانية، والعقلية، والفطرية، وحتى الأعراف الجاهلية، والعصبيات، و.. و.. وارتكبوا جريمتهم.. مصرحاً بأنهم لا دين لهم يحجزهم عن ذلك، فيقول: «لا لأن القوم يتحرجون ويتورعون من هذه الجرأة العظيمة بل لأن السجايا العربية الخ…» 3.
ج: إن آخر كلام كاشف الغطاء قد أظهر أنه رحمه الله إنما يستبعد، أو ينكر أن تكون عليها السلام قد ضربت على وجهها مباشرة، بحيث لامست يد الضارب خدها الشريف بدون حجاب، فقد قال:
«وأما قضية قنفذ، وأن الرجل لم يصادر أمواله، كما صنع مع سائر ولاته وأمرائه، وقول الإمام عليه السلام: إنه شكر له ضربته، فلا أمنع من أنه ضربها بسوطه من وراء الرداء، وإنما الذي أستبعده أو أمنعه هو لطمة الوجه، وقنفذ ليس ممن يخشى العار لو ضربها من وراء الثياب، أو على عضدها.
وبالجملة، فإن وجه فاطمة الزهراء هو وجه الله المصون، الذي لا يهان، ولا يهون، ويغشى 4 نوره العيون» 5.
د: إنه يلاحظ أنه في هذا المورد بالذات أنه قد خالف عادته في الكتاب حيث لم يذكر أية رسالة جاء هذا الكلام جواباً عنها، ولا حديثاً، ولا مناسبة تشير إلى مبرر إيراده لهذا الكلام، حتى لو كان المبرر شيئاً آخر..
الأمر الذي ربما يدلنا على أن ثمة تحفظاً فيما يرتبط ببعض ظروف وبواعث هذا الكلام..
هـ: إن كتاب جنة المأوى ـ حسبما صرح السيد محمد علي القاضي في المقدمة ـ قد نشر بعد وفاة المؤلف رحمه الله، وقد طلب مؤلفه من السيد القاضي، أن يوشحه ببعض التعليقات في مواضع معينة 6.
ثم صرح السيد القاضي في مقدمة الكتاب أيضاً بأنه قدم بعد وفاة الشيخ كاشف الغطاء بأربع سنوات إلى النجف الأشرف، وأخذ من نجل الشيخ كاشف الغطاء ـ على حد تعبيره ـ «بعض ما يتعلق بموضوع جنة المأوى، بعد الفحص عنه في زوايا مكتبته العامرة. وكنت أتمنى إن سنحت لي الفرصة، وأتاحت لي الظروف، وسنح لي الإقبال، وساعدني التوفيق، أن أجمع تلك الموارد، وأرتب تلك النفائس، مما تيسر جمعها، ونالتها يدي من تلك الجواهر الثمينة، حباً لبث العلم، وخدمة الإنسانية، وحرصاً على نشر الفضائل، وحفاظة لمقدار مما ترشح من قلمه الشريف، وحراستها عن الضياع على مر القرون، وتصاريف الزمان، ليكون نفعها عاماً.
وأرى نفسي الآن واجدة ضالتها المنشودة، أعني جمع تلك المواد، ونضد تلك الدرر، وترصيفها وتنظيمها، وليس كل هذا الاهتمام إلا نظراً إلى ما كان من قصد شيخنا الإمام من تأليف هذا الكتاب ونشره» 7.
وهذا يفسح المجال لاحتمال أن لا تكون هذه القطعة من إنشاء نفس الشيخ كاشف الغطاء، فإن كونها بخطه لا يعني ـ بالضرورة ـ أن تكون من إنشائه. فلعلها فقرة نقلها عن غيره لأكثر من سبب، ويمكن أن يتأيد ذلك بأمور:
أحدها: أن الأشعار التي نقلناها عنه رحمه الله تدل دلالة واضحة على أنه يرى: أن الزهراء قد ضربت، وأسقط جنينها، وأحرق بيتها.. وهذا لا يتناسب مع إنكار ذلك، ولا ينسجم معه.
الثاني: أن بعض العبارات الواردة في هذه الفقرة المنسوبة إليه في جنة المأوى، قد تضمنت جرأة على الزهراء، لا نسمح لأنفسنا بنسبتها إلى هذا العالم الجليل، وهي قوله:
«وكلماتها مع أمير المؤمنين عليه السلام، بعد رجوعها من المسجد. وكانت ثائرة متأثرة أشد التأثير، حتى خرجت عن حدود الآداب التي لم تخرج عن حظيرتها مدة عمرها، فقالت: يا بن أبي طالب، افترست الذئاب، وافترشت التراب.. إلى أن قالت: الخ..» 8.
الثالث: وجود التهافت في كلامه، فهو تارة يذكر: أن لطم الخد لو حصل لكانت ذكرته هي وعلي عليهما السلام في تظلماتها.
وتارة يذكر: أنه إنما يمنع من لطمة الخد، ولا يمنع من الضرب بالسوط..
ثم هو تارة يتجرأ على الزهراء عليها السلام، ويتهمها بأنها خرجت عن حدود الآداب مع علي عليه السلام.
وأخرى يعظمها أشد التعظيم، حتى ليقول: إن وجهها هو وجه الله المصون، الذي لا يهان، ولا يهون، ويغشى نوره العيون..
وأخيراً فإنه تارة يؤكد على ثبوت هذه الواقعة، بأعظم من أي تواتر لأية قضية.
وأخرى يثير احتمالات لا تنسجم مع هذا الثبوت، بهذا المستوى من التسالم والانتشار.
من أجل ذلك، فإن من الممكن إثارة احتمال: أن يكون هذا الكاتب بصدد إثبات الجريمة عليهم في حق الزهراء عليها السلام.. ولكنه يريد أن لا تظهر منه أية بادرة سلبية ظاهرة تجاه من ارتكب تلك الجريمة، فمن أجل ذلك تراه يأخذ القارئ يميناً وشمالاً، ويصعد ويصوب، ويُقْدِم ويُحْجِم، ويُقَدِّم ويُؤَخِر، ليفهم القارئ حقيقة ما حصل، من دون أن يتحمل هو مسؤولية التصريح بذلك.
ومن خلال كل ما ذكرناه نقول: إنه إن كانت العبارات له رحمه الله، فلعلها كانت مشروع إجابة كان يحاول أن ينشئها، ولم ينته منها بعد..
ولعله كان يريد إدخال المزيد من التنقيح والتصحيح عليها، ثم عاجلته المنية قبل أن ينجز ذلك..
وإن كانت هذه الفقرات لغيره، فلعله أراد أن يناقشها، أو يعلق عليها، ولم تسنح له الفرصة لذلك..
والله العالم بحقيقة الحال.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته 9..
• 1. مقتل الحسين للمقرم ص 389 منشورات قسم الدراسات الإسلامية.
• 2. جنة المأوى ص 133/ 135.
• 3. المصدر السابق ص 135.
• 4. لعل الصحيح: يُعْشِي.
• 5. المصدر السابق ص 137 و138.
• 6. المصدر السابق ص 9.
• 7. المصدر السابق ص 14 (المقدمة).
• 8. المصدر السابق ص 136ـ 137.
• 9. مختصر مفيد.. ( أسئلة وأجوبة في الدين والعقيدة )، السيد جعفر مرتضى العاملي، «المجموعة التاسعة»، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الأولى، 1424 هـ ـ 2004 م، السؤال (496

الكاتب ya fatima

ya fatima

مواضيع متعلقة

اترك رداً