فاطمة الزهراء عليها السلام قدوة المتقين

img

اختلف المؤخرون في تأريخ ولادة سيدة نساء العالمين فاطمة بن محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وسلم وخديجة بنت خويلد عليها السلام.إلا ان المشهور بين مؤرخي الإمامية انه في يوم الجمعة في العشرين من شهر جمادي الآخرة في السنة الخامسة من البعثة النبوية الشريفة، بينما قال غيرهم، إنها ولدت قبل البعثة بخمس سنين او ثمان، وقد استقبل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أبنته بالفرح والرضا وسماها (فاطمة).
ولدت ودرجت في بيت النبوة، وترعرعت في ظلال الوحي، ورضعت من لبن خديجة سلام الله عليها حب الايمان ومكارم الاخلاق.
لقد عاشت الزهراء فاطمة سلام الله عليها، في ظل ابيها وامها، ثم انفردت بأبيها حتى هجرته صلى الله عليه وآله الى يثرب إذ كان يرهاعا وترعاه بحنان الامومة، وهاجرت الزهراء بعد هجرة ابيها إلى المدينة في جو مكة المرعب مع ابن عمها الامام علي بن ابي طالب عليه السلام، الذي كان مستهينا بكبرياء قريش وغرورها، ليلتحق بالرسول الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم في “قبا”، ثم اقترنت بابن عمها الامام علي بن أبي طالب عليه السلام، فاصبحت تستظل ابيها محمد صلى الله عليه وآله وسلم وفي كنف دولة الاسلام الفتية، تسعى جاهدة لاداء مهامها الرسالية والعائلية جنبا إلى جنب، حتى غربت شمس النبوة العظمى، برحيل الرسول الاكرم وحدثت مؤامرة السقيفة المشهورة واغتصاب حق الامام علي عليه السلام في الزعامة السياسية للدولة الاسلامية الفتية.
ثم عاشت الزهراء سلام الله عليها في كنف زوجها الإمام علي عليه السلام بعد ابيها صلى الله عليه وآله وسلم فترة قصيرة جدا في فترة تجرعت فيها انواع الغصص والمحن حتى فارقت الحياة مظلومة.
ومن اسمائها: الصديقة، هي لكثرة التصديق، وقد كانت سلام الله عليها مصدقة لابيها صادقة في أقولها صدوقة في أفعالها ووفائها، فهي الصديقة الكبرى، وعلى معرفتها دارت القرون كما ورد عن حفيدها الإمام الصادق عليه السلام. بحار الانوار 34/105.
والمباركة، باعتبارها الخير الكثير الذي يأتي من قِبلها وقد وصفها القرآن الكريم بالكوثر باعتبار ان نسل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، يتفرع منها، فهي أُم الأئمة الاطهار واُم الذرية الطاهرة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكثرة الذرية، وأهم مصاديقه التي اعطاها الله لرسوله كما نص عليه في سورة الكوثر.
ولقبت بالطاهرة لطهارتها من كل دنس، وقد شهد القرآن المجيد بطهارتها من الدنس في آية التطهير.
وكانت سلام الله عليها راضية بما قدر لها من مرارة الدنيا ومشاقها ومصائبها وثوابها، مرضية عند ربها كما اخبر بذلك القرآن الكريم عنها في سورة الدهر، إذ ارتضى ربها سعيها وآمنها من الفزع الاكبر، وهي ممن (رضي الله عنهم ورضوا عنه) –سورة المائدة 119- وخشي ربه دون شك كما نلاحظ ذلك في سيرتها.
والمحدثة، وهي التي تحدثها الملائكة، كما حدثت الملائكة مريم ابنة عمران وام موسى وسارة امرأة النبي ابراهيم اذ بشرتها باسحاق ومن وراء اسحق يعقوب عليهم السلام جميعا.
وكناها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأم أبيها، إذ لم يكن أحد يوازيها في محبته لها، ورفعة مكانتها لدية وكانت تحتضنه وتضمد جروح حروبه، وتخفف من آلامه.
كما كُنيت بأم الأئمة، إذ أخبر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ان الائمة من ولدها وأن المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف من نسلها- ينابيع المودة 2/83-.

وقد أشاد النبي الكريم بعظيم منزلة الزهراء الطاهرة، وبما بلغته من موقع ريادي في خط الرسالة محتذيا خُطى القرآن الكريم فيما صرح به من فضائل ومكرمات لأهل البيت عليهم السلام بشكل عام وللزهراء عليه السلام بشكل خاص.
ولقد مدح القرآن الكريم اُناسا خلدهم بآيات تتلى أناء اليل وأطراف النهار، إكبارا لمواقفهم ولتفانيهم في سبيل الحق. وممن خصهم الله تعالى بالذكر الحكيم الجلي واشاد بمواقفهم وفضائلهم، أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد اورد المؤرخون والمفسرون آيات كثيرة في مدحهم كما خصهم بالثناء في سور شتى تقريرا لسلامة خطهم واعترافا بحسن سمتهم ودعوة للاقتداء بهم، ومنها:
1-الزهراء كوثر الرسالة، إن الكوثر هو الخير الكثير وهو يتناول بظاهره جميع نعم الله تعالى على النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن ماذكروه في اسباب النزول بالاضافة إلى الآية الاخيرة من سورة كوثر ﴿إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ﴾ يشير بوضوح الى أن الخير يرتبط بكثرة النسل ودوامه.
وقد عرف العالم أن نسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد استمر من خلال ابنته الزهراء عليها السلام، كما صرحت بذلك جملة من احاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
2-الزهراء عليها السلام في سورة الدهر: مرض الحسن والحسين فعادهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ناس معه فقالوا: يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك، فنذر علي وفاطمة وفضة (وهي جارية لهما) إن برئا مما بهما، أن يصوموا ثلاثة ايام، فشفيا وما معهم شيء، فاستقرض الإمام علي عليه السلام ثلاثة اصوع من شعير، فوضعوها بين ايديهم ليفطروا، فوقف عليهم سائل فقال: السلام عليكم أهل بيت محمد، مسكين من مساكين المسلمين أطعموني اطعمكم الله من موائد الجنة، فآثروه وباتوا لم يذيقوا إلا الماء وأصبحوا صياما، فلما امسوا ووضعوا الطعام بين ايديهم وقف عليهم يتيم فآثروه، ووقف عليهم أسير في الثالثة ففعلوا مثل ذلك، فلما اخذ علي عليه السلام بيد الحسن والحسين واقبلوا الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فما ابصرهم وهم يرتعشون من شدة الجوع قال: ما اشد ما يسوؤني ما أرى بكم! وقام فانطلق معهم فرأى فاطمة عليها السلام في محرابها وقد التصق بطنها بظهرها وغارت عيناها فساءه ذلك، فنزل جبريل ثم قال: خذها يا محمد هنأك الله في أهل بيتك فأقرأه السورة (سورة الدهر او الانسان او هل أتى).
فالزهراء ممن شهد الله تعالى لها بانها من الابرار الذين يشربون من كاس كان مزاجها كافورا، وممن يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا، وممن يطعمون الطعام على حبه، ويؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة وانهم يطعمون لوجه الله لايريدون جزاء ولاشكورا، وانهم ممن صبروا في ذات الله.. وانهم ممن وقاهم الله شر ذلك اليوم العبوس القمطرير.. ولقاهم نضرة وسرورا، وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا.
3-الزهراء عليها السلام في آية التطهير: لقد نزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو في بيت أم سلمة (رضي الله عنها) وذلك حينما كان قد ضم سبطيه الحسن والحسين واباهما وامهما اليه ثم غشاهم ونفسه بالكساء تمييزا لهم عن الاخرين، فنزلت الآية الكريمة (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا )-الأحزاب/33.
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد نزول الآية كلما خرج إلى الفجر يمر ببيت فاطمة ويقول: الصلاة يا أهل البيت إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا، مستمرا على هذه الحالة ستة اشهر او ثمانية أشهر-الكلمة الغراء في تفضيل الزهراء-.
4-مودة الزهراء عليها السلام أجر الرسالة: روى جابر عليه السلام، أن اعرابيا جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يامحمد! أعرض علي الاسلام، فقال: تشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأن محمدا عبده ورسوله، فقال: تسألني عليه أجرا؟
قال صلى الله عليه وآله وسلم: لا إلا المودة في القربى، فقال: قرباي او قرباك؟ قال:قرباي، قال: هات ابايعك، فعلى من لايحبك ولايحب قرباك لعنه الله، قال الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم: آمين.

وذكر الزمخشري أن هذه الاية لما نزلت قيل: يارسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجب علينا مودتهم؟ قال: علي وفاطمة وابناهما- الكشاف في تفسر الاية والتفسير الكبير للفخر الرازي والدر المنثور للسيوطي وذخائر العقبى/35.
5-الزهراء عليها السلام في آية المباهلة (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) آل عمران(61).
اجمع أهل القبلة حتى الخوارج منهم على ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يدع من النساء سوى بضعته فاطمة الزهراء ومن الابناء سوى سبطيه وريحانتيه الحسن والحسين عليهما السلام ومن الانفس إلا عليا عليه السلام، الذي كان منه بمنزلة هارون من موسى، فهؤلاء أصحاب هذه الآية بكم الضرورة التي لايمكن جحودها، لم يشاركهم احد من العالمين، كما هو بديهي لكل من ألم بتاريخ المسلمين، وبهم خاصة نزلت لابسواهم.
ذهب اهل التفسير من جميع المسلمين انها نزلت حين خرج رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم بعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، لمباهلة نصاری نجران، في الرابع والعشرين من شهر ذي الحجة الحرام، فعبرت الآية عن الحسن والحسين بابناء الرسول الاکرم (ص) وعن فاطمة عليها السلام بنسائه وعن علي عليه السلام بالنفس، وفي ذلك مکانة رفيعة لم ينلها غيرهم. والمباهلة تعني الدعاء الی الله تعالی بانزال العذاب علی الکاذبين.
لقد باهل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهم خصومه من اهل نجران فانتصر عليهم، حيث قال: إذا دعوت فأمنوا، فقال أسقف نجران: يامعشر النصارى! إني لأرى وجوها لو سألوا الله أن يزيل جبلا لأزاله بها، فلا تباهلوهم فتهلكوا، ولايبقى على وجه الارض نصراني الى يوم القيامة..وقبلوا الجزیة علی انفسهم.
ومن جانب اخر تواترت هذه الشهادات في امثالها في كتب الحديث والسيرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي لاينطق عن الهوى ولايتأثر بنسب او سبب، ولاتأخذه في الله لومة لائم، حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم:
*أن الله ليغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها.
*فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني ومن احبها فقد احبني.
*فاطمة قلبي وروحي التي بين جنبي.
*فاطمة سيدة نساء العالمين.
و..
ان الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم الذي ذاب في دعوته وكان للناس اُسوة حسنة فاصبحت خفقات قلبه ونظرات عينه ولمسات وخطوات سعيه وإشاعات فكره، قوله وفعله وتقريره (اي سنته) بل وجوده كله معلما من معالم الدين ومصدرا للتشريع ومصباحا للهداية وسبيلا للنجاة.
نعم انها اوسمة من خاتم الرسل لفاطمة الزهراء، تزداد تألقا كلما مر الزمان وكلما تطورت المجتمعات وكلما لاحظنا المبدأ الاساس في الاسلام في كلامه صلى الله عليه وآله وسلم لها: يافاطمة اعملي لنفسك فإني لا أغني عنك من الله شيئا.
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (إنما فاطمة شجنة مني، يقبضني ما يقبضها ويبسطني ما يبسطها وإن الأنساب يوم القيامة تنقطع غير نسبي وسببي وصهري..).
واليكم بعض الدرر من كلمات سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء سلام الله عليها:
*من أصعد إلى الله خالص عبادته، أهبط الله إليه أفضل مصلحته.
*خياركم ألينكم مناكب، وأكرمكم لنسائهم.
*قالت عليها السلام: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد افترشت فراشي للنوم، فقال: يا فاطمة لاتنامي إلا وقد عملت أربعة: ختمت القرآن، وجعلت الأنبياء شفعاءك، وأرضيت المؤمنين عن نفسك، وحججت واعتمرت.
قال هذا وأخذ في الصلاة، فصبرت حتى أتم صلاته، قلت: يارسول الله إنك أمرت بأربعة لا أقدر عليها في هذا الحال! فتبسم وقال: إذا قرأت (قل هو الله احد) ثلاث مرات فكأنك ختمت القرآن، وإذا صليت علي وعلى الانبياء قبلي كنا شفعاءك يوم القيامة، وإذا استغفرت للمؤمنين رضوا كلهم عنك، وإذا قلت: سبحان الله والحمد لله ولا اله إلا الله والله اكبر، فقد حججت واعتمرت.
*وقالت عليها السلام: واحمدوا الذي لعظمته ونوره يبتغي من في السماوات والأرض إليه الوسيلة، ونحن وسيلته في خلقه، ونحن خاصته ومحل قدسه، ونحن حجته في غيبته، ونحن ورثة أنبيائه.
*قالت الزهراء سلام الله عليها، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إذا مرض العبد اوحى الله إلى ملائكته أن ارفعوا عن عبدي القلم مادام في وثاقي، فإني حبسته، حتى أقبضه أو اُخلي سبيله.
*ومن دعائها عليها السلام: اللهم إني اسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، والعمل بما تحب وترضى، اللهم إني أسألك من قوتك لضعفنا، ومن غناك لفقرنا وفاقتنا، ومن حلمك وعلمك لجهلنا، اللهم صل على محمد وآل محمد، وأعنا على شكرك وذكرك وطاعتك وعبادتك يا أرحم الراحمين.

الكاتب ya fatima

ya fatima

مواضيع متعلقة

اترك رداً