علامات الأمّة الإسلاميّة

img

مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ۖ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ۚ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ ۚ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ۗ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا
سورة الفتح المباركة ﴿۲۹﴾

هكذا يربّي الإسلام أتباعه: «وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ۖ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ»؛ هذه علامات الأمّة الإسلاميّة. هذه هي تلك الروحانيّة التي تموج بداخلهم؛ وهذا هو ذاك التوكّل، والالتفات إلى الله عزّوجل، والتوجّه إليه والخضوع أمامه.
هكذا يربّي الإسلام أتباعه: «وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ» هم أمام الله عزّوجل خاضعون، يراعون الأخوّة الإسلاميّة، ومتواضعون؛ وأمام الظّالمين كالجبل الأشمّ «وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ». هذه هي مراحل تقدّم الأمّة الإسلاميّة؛ فهي تنمو وتتسامى، وتزداد صلابة حتى “يُعجب الزرّاع“.
هكذا تدفع يد القوّة الإلهيّة البشر نحو التسامي. « لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ»؛(۱) علينا أن نعمل بهذا النّحو. علينا أن نبني ذواتنا. وأن نوفّق أنفسنا مع آيات القرآن. وأن ننظّم أخلاقنا، وسلوكيّاتنا مع الأصدقاء، والمعارضين، والمعاندين والمستكبرين وفق المشروع الذي جاء به القرآن الكريم. لقد وعد الله بأنّه سيمنح الأجر والثواب للذين يسيرون على هذا المنوال. وهذا الأجر موجود في الدنيا والآخرة أيضاً. فالعزّة ستكون من نصيبهم في الدنيا، وفي الآخرة سيشملهم الرضوان الإلهي.(٢)
من هم الأشدّاء على الكفّار؟
يقول الله تعالى في سورة الفتح المفعمة بالحماسة والعبر وبعد أن يبين الآيات الحماسية، حول أصحاب النبي«أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ». فالمراد بالكفار هنا ليس اليهود أو المسيحيون الذين كانوا يعيشون في كنف الرسول. بل كان هناك في ذلك الوقت المسيحيون واليهود الذين كانوا يعيشون في المدينة وكانت لهم علاقات حسنة مع النبي وأصحابه. هؤلاء ليسوا المقصودين بـ“أشداء على الكفار“. المراد بـ ”أشداء على الكفار“ هنا هم أمثال قريش الذين كانوا يدبرون دوماً الهجمات العسكرية على الإسلام والمدينة الإسلامية، أو أمثال يهود بني قريضة ويهود خيبر و سائر المناطق الذين كانوا ينقضون العهود دوماً – ويسافرون إلى هنا وهناك من أجل تعبئة هذه الجماعة أو تلك ضد الإسلام أو يشنون الهجمات العسكرية أو يبثون عوامل الإثارة والإشاعات – أو أولئك الذين كانوا يعيشون في المدينة ويظهرون الإسلام ويضمرون الكفر وكانت لهم علاقات مستمرّة مع المجموعة الأولى والمجموعة الثانية من الكفار… (۳)
أين هم هؤلاء الكفّار؟ لا ينبغي التعامل بشدّة وقسوة مع كلّ من لا يعتقد بالإسلام. يقول القرآن الكريم: «لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ»؛(٤) التعامل بشدّة لا يكون مع هذا النّوع من الكفّار. «إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ».(٥) ينبغي انتهاج الشدّة في التعامل مع الذين يستهدفون هويّتكم، إسلامكم، وطنيّتكم، بلدكم، سيادة أراضيكم، استقلالكم، شرفكم، عزّتكم، شرفكم، سننكم، ثقافتكم وقيمكم.(٦)
ما هو المعنى الصّحيح لـ“أشدّاء على الكفّار“؟
أشدّاء على الكفّار لا تعني إشعال الحرب بشكل مستمرّ ضدّ الكفار. الشدّة تعني الصلابة، والصمود وعدم التزعزع.(٧) ”أشدّاء“ هي جمع ”شديد“. والشديد يعني الصّلب والذي لا يُخترق. يعتمد الأمر على صلابة الجسد، فكلّما كان أصلب يزداد تأثيراً في الجسد الآخر عندما يصطكّ به، لكنّه لا يتأثّر به.(٨) الشدّة تعني الصّلابة.(٩) لا تعني الشدّة الظّلم هنا، ولا تعني بالضرورة سفك الدّماء. هي بمعنى الصّلابة؛ أي أن لا يكون المتراس رخواً هزيلاً؛ يجب أن لا يكون هناك ثقب في هذا الحائط.(١٠)
قد تكون الصلابة في ساحة الحرب، فتبرز ضمن أجواء معيّنة؛ وقد تكون في ساحة التحاور مع العدوّ، فتبرز ضمن أجواء أخرى. أنظروا كيف أنّ الرسول الأكرم كان يتكلّم مع العدوّ في حروبه عند وجود ضرورة. كان صلباً من أعلى رأسه حتّى أخمص قدميه؛ وليس هناك أدنى خلل في صلابته. ففي حرب الأحزاب دخل الرّسول الأكرم في حوار مع الأطراف المقابلة، لكن أيّ حوار كان! طالعوا التاريخ. كان صلباً وشديداً في الحرب والحوار والتعامل [مع العدوّ].(١١)
وهذا لا يعني بالضرورة أن ينبغي سحق العدوّ بشكل كامل وقمعه؛ لا، قد يقتضي الأمر سحقه في بعض الأحيان، وقد لا يقتضي ذلك؛ لكن يجب أن يكون المرء شديداً وصلباً أمام العدوّ دائماً.(١٢) هذا ما يعنيه أشدّاء على الكفّار.

الكاتب husham

husham

مواضيع متعلقة

اترك رداً