سؤال موجه إلى سماحة الأستاذ الشيخ معين دقيق حفظه الله حول ما يذكر في نحوسة شهر صفر*
﷽ سؤالٌ في رَوْضَةِ الْمَعْلُومَاتِ الْعَامَّةِ:
السّؤال رقم 729:
هل صحيح ما يقال: إنّ شهر صفر شهرٌ نحسٌ؟ إذا كان ذلك، ما الأعمال التي تدفع نحوسية هذا الشهر؟ (استراليا)
️ الجواب: __📩_
☆ اتّصاف شهر صفر بالنحوسة أمرٌ قد شاع واشتهر بين الناس، بل ذُكِر في بعض كتب الأدعية والأعمال ما يفيد هذا الاشتهار، قال الشيخ عباس القمي في مفاتيح الجنان ما لفظه: (اعلم انّ هذا الشّهر معروف بالنّحوسة، ولا شيء أجدى لرَفع النّحوسة من الصّدقة والأدعية والاستعاذات المأثورة. ومن أراد أن يصان ممّا ينزل في هذا الشّهر من البلاء فليقل كلّ يوم عشر مرّات كما روى المحدّث الفيض وغيره: يا شَديدَ الْقُوى وَيا شَديدَ الْمِحالِ يا عَزيزُ يا عَزيزُ يا عَزيزُ ذَلَّتْ بِعَظَمَتِكَ جَميعُ خَلْقِكَ فَاكْفِنى شَرَّ خَلْقِكَ يا مُحْسِنُ يا مُجْمِلُ يا مُنْعِمُ يا مُفْضِلُ يا لا اِلـهَ اِلاّ اَنْتَ سُبْحانَكَ اِنّى كُنْتُ مِنَ الظّالِمينَ فَاسْتَجَبْناهُ لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِى الْمُؤْمِنينَ وَصَلَّى اللهُ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ الطَّيِّبينَ الطّاهِرينَ).
⊙ وقد تمسّك البعض بكلامه هذا لإثبات دعوى أنّ هذا الشهر يتّصف بالنحوسة، ولكنّه بعيدٌ عن الصواب؛ فإنّه رحمه الله لم يكن بصدد بيان ذلك، بل يريد أنْ يقول إنّه على تقدير ثبوت هذا المشتهر بين الناس، فعليكم بالأدعية والأعمال الواردة لرفع النحوسة والشؤم بشكلٍ عام. ويؤيّد هذا ما ذكره نفسه في كتابه (وقائع الأيام): “اعلم أنّ هذا الشهر عُرِف بالشؤم، ربما كان السبب وقوع وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله في هذا الشهر، يوم الأثنين. وربما كان الشؤم بسبب وقوع شهر صفر بعد ثلاثة من الأشهر الحرم حيث حرّم الله فيها القتال، وقد سُمِح لهم بالقتال في هذا الشهر، فكان الناس يتركون بيوتهم ويتأهبون للحرب، وهذا مدعاة للشؤم”. فذكر سببين لاشتهار معروفية هذا الشهر بالنحوسة بين الناس، لا أنّه بصدد الاستدلال على نحوسته بهذين الأمرين.
⊙ والحاصل: أنّه لم يثبت بدليلٍ معتبرٍ أنّ شهر صفر من الأشهر الموصوفة بالنحوسة، وإن اشتهر ذلك بين الناس، وبالتالي لا يصحّ بوجه إعطاء هذه الفكرة بعداً دينياً، بادّعاء شرعيتها. وقد حاول البعض أنْ يستدل على مشروعية وصفه بالنحوسة بأدلّةٍ ثلاثة كلها تالفة باطلة:
¤ الأوّل: ما تقدّم عن الشيخ عباس القمي، من وقوع وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله في هذا الشهر. وهو واضح البطلان، فإنّ وفاته في هذا الشهر يجعله شهر حزن، لا شهر نحوسة، كيف، وأمير المؤمنين عليه السلام توفي في شهر رمضان، وهو شهر بركةٍ وغفران، وفيه نزل القرآن من عند الرحمن.
¤ الثاني: ما تقدّم أيضاً من وقوع شهر صفر بعد ثلاثة من الأشهر الحرم حيث حرّم الله فيها القتال، وقد سُمِح لهم بالقتال في هذا الشهر، فكان الناس يتركون بيوتهم ويتأهبون للحرب، وهذا مدعاة للشؤم. فهذا يوجب النحوسة بحسب فهم الناس، ولا يوجب أنْ يكون الأمر كذلك في الشريعة.
¤ الثالث: نجد في كتابات علمائنا التعبير عن هذا الشهر بشهر الخير، وليس ذلك إلا اعتقاداً منهم بنحوسة هذا الشهر، فيتفاءلون بتوصيفه بالخير، توصيفاً للشيء بضدّه. وهذا الدليل من الغرائب؛ فإنّ ما ذُكِر من سبب التوصيف لا دليل عليه، بل يحتمل قوياً أنّ هذا التوصيف لأجل الردّ على ما اشتهر بين الناس من الاعتقاد بنحوسته. كما يشهد بذلك إجازة علي بن عبد العالي الكركي المكتوبة في (١١) صفر الخير سنة (٩٢٨ه) في بحار الأنوار، ومقدمة السيد المرعشي نجفي لكتاب إحقاق الحق، والمكتوبة في (٢٢) صفر الخير ١٣٩٨ه، وهذا من ديدنه رحمه الله، حيث نراه قد رقّم بيته برقم (١٣) عندما وجد بعض الناس يتشاءمون منه، فكان استعماله لهذا العدد ردّاً عليهم، لا تأييداً لهم.
جعلنا الله من الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ…
حقيقة صلاة آخر أربعاء من شهر صفر؟ وأنَّها تدفع نحوسة هذا اليوم
️ الجواب: _📩
☆ قد تقدّم منّا سابقاً أَنَّه لم يثبت بدليلٍ معتبرٍ أَنَّ شهر صفر وأيامه من الأشهر والأيام الموصوفة بالنحوسة، وإنِ اشتهر ذلك بين الناس، حتّى ربّما صار عندهم من المسلمات، وأنَّه لا يصحّ بوجهٍ من الوجوه إعطاء ذلك بعداً دينياً.
⊙ وأمّا ما يعرف بصلاة آخر أربعاء من شهر صفر، فقد نُقِل في بعض وسائل التواصل الاجتماعي خبرٌ منسوبٌ إلَى الإمام الصادق عليه السلام نصّه: (ينزل في كلّ سنة ثلاثمائة وعشرون ألف بلية من البليات، وكل ذلك في يوم الأربعاء الأخير من شهر صفر، فيكون ذلك أصعب أيام السنة كلها. فمن صلى في ذلك اليوم أربع ركعات …فإنّ الله تعالى يكفيه ذلك، ويحفظه من جميع البلايا، آمناً في ماله وولده، سالماً من صروف الدهر…). وجيء بدعاء يقرأ بعدها. هذا، ولكنّنا لم نجد لهذا الخبر عيناً ولا أثراً في الكتب الحديثية المعتمدة، فيكون التعبّد به على أساس أَنَّه من الدين غير مشروعٍ.
⊙ وقد نبّهتُ مراراً على أَنَّه لا ينبغي أَنْ نأخذ الأحاديث التي تبثُّ في وسائل التواصل الاجتماعي على أساس أَنَّها من الأُمور المسلّمة والثابتة، خصوصاً في زمنٍ تدخل الأيادي الخبيثة لغرض تشويه الدين، وإبعاد النخب عنه، حتّى يصبح التديُّن والالتزام الديني للجهلة والأغبياء.
دُمْتُم بِخَيْرٍ وعَافِيَة
_
↙️ للمشاركة؛ يُمكنكم إرسال أسئلتكم عبر الضغط على هذا الرابط:
telegram.me/rawdawilaya
رابط القناة:
https://telegram.me/rawda_wilayah
اترك رداً