المجرّبات.. سفرة أم البنين نموذجاً

img

زكريا الحاجي.
كثيراً ما نسمع من هنا وهناك عن أعمال يُتقرب بها إلى الله – سبحانه وتعالى – بدعوى كونها من المجربات التي بفضلها يُسبغ الله النّعم، وينال صاحب العمل الأثر المرجو منها.
وهنا تتولد بعض التساؤلات حول ظاهرة المجربات وبيان موقف الشارع المقدس منها، وكيف ينبغي التعاطي معها اجتماعيا.
ولعل سفرة أم البنين من أبرز الأعمال التي تدور حولها التساؤلات، إلا أنه للأسف الكثير لم يتعاطَ معها بنحو الموضوعية، وكانت العاطفة تلعب دوراً كبيراً في اتخاذ الحكم، ولهذا نجد الأحكام المطلقة بالقبول تارة وبالرفض تارة أخرى، وما ذلك إلا لضياع البوصلة الفقهية في محاكمة المسائل، والبعض تعاطى مع المسألة بحسب أولوياته وهمومه الثقافية والاجتماعية.
ولا أود هنا أن نغرق في الأمثلة والجزئيات ونغفل عن الفكرة العامة، فالأمثلة تتجدد في كل زمان، ولكن الفكرة العامة تبقى مواكبة وحاكمة على المواضيع والمصاديق الخارجية.
ولكي لا تختلط علينا المفاهيم باختلاط المصاديق والمواضيع الخارجية، لابد من إجراء عملية تحليل وفرز صحيحة، يمكن من خلالها أن نتصور كل مصداق بنحو سليم مع ماله من حكم شرعي، ويكون على وفق الموازين العلمية.
ومن هنا يمكن أن نقول أن المواضيع الخارجية للمجربات تنقسم إلى منصوصة وغير منصوصة:
مجربات منصوصة: وهي تستبطن أيضاً نحوين:

  1. مجربات منصوصة ثابتة: وهي التي ورد فيها نص شرعي تَعبُدي صحيح من الجنبة الفقهية، كالأعمال العبادية لقضاء الحوائج والثابتة عن أهل البيت – -، خضعت للتحقيق والغربلة العلمية من قِبل العلماء والفقهاء – وهذه الأعمال يكون بعضها ذا أثر سريع وواضح في حياة الإنسان – وهذا القسم مما لا إشكال فيه، فهو قائم ومبتني على أسس علمية، فينبغي إرشاد المؤمنين إليه في قضاء حوائجهم وتسهيل أمور حياتهم.
    ومن قبيل هذه الأعمال زيارة الإمام الحسين ، وصلاة الليل، والصدقة.. وغيرها.
    2 . مجربات منصوصة غير ثابتة: وهي التي ورد فيها نص في المتون الحديثية وكتب الروايات، ولكنها غير ثابتة من الجنبة الفقهية، وهذه الأعمال عادة يقول فيها العلماء ومراجع الدين أنها تؤتى بنحو رجاء المطلوبية، فإذا ما ثبت أثرها على صاحب العمل فإن ذلك يكون مدعاة للناس أن يمتثلوا لهذا المجرّب بنية رجاء المطلوبية – بشرط عدم المانع الفقهي ولو بالعنوان الثانوي -.
    مجربات غير منصوصة: وهي تستبطن نحوين:
  2. أعمال لها صورة العبادة، بمعنى أنها تحتضن أذكار وأدعية بحد ذاتها مستحبة ومطلوبة، ولكن تمت قولبتها بكيفية محددة وبصياغة بشرية اجتهادية ليس وارد فيها نص شرعي، فهذه الكيفيات من العبادات الاجتهادية بالعنوان الأولي من الناحية الفقهية لا إشكال شرعي فيها، من قبيل أن يجعل المؤمن أعداداً خاصة من التسبيحات والأذكار أو يُعيّن أوقات خاصة لممارسة الطقوس العبادية.. إلخ، فالدّين واسع ولا يُضيِّق على العباد بالكيفيات المنصوصة عليها من قِبل النبي وأهل بيته – – والواردة في كُتب الأدعية والأعمال الصالحة فقط، بل يحق للإنسان أن يدعوا الله – تعالى – كيفما شاء، ولكن بشرط أن لا يَنسب عمله ذلك للدين، بحيث يدّعي أن هذه الكيفية منصوصة عليها، وإلا أصبح الأمر من قبيل التقول والكذب على الله وعلى رسوله وآله.
  3. أعمال ليست لها صورة العبادة، بمعنى أنها تحمل تصرفات عشوائية ارتجالية لا يُشم فيها نكهة العبادة، وهذه مباحة في عنوانها الأولي من الناحية الفقهية، ولكنها لا تليق بأن تُجعل من العبادات أو يُتقرب بها إلى الله تعالى، لاسيما مع وجود تراث مليء بالأعمال العبادية الواردة عن المعصومين – -، ولعل صورة هذه الأعمال أقرب لمجالس السحر والشعوذة، وقد يُحتمل في هذه الأفعال تشويه صورة المذهب فتحرّم بالعنوان الثانوي.
    نعم.. هناك محاذير من الناحية الاجتماعية تُهدد أي عمل عبادي سواء ورد فيه نص شرعي أو لم يرد ذلك، وينبغي أن يتحلى المؤمن بدرجة كافية من الوعي من أجل أن يحافظ على جمالية العبادة ويتجنب ما يمكن أن يلوّث العمل العبادي، ولا يتخبط ويقع في الإفراط أو التفريط.
    ومن تلك المحاذير:
  4. العامل الاقتصادي وسياسة صرف الأموال بالنحو العقلائي في ممارسة الطقوس الدينية، فحُسن التدبير من المسائل التي يؤكد عليها الدين الإسلامي.
  5. الحذر ممن يتاجر بالدين، فهناك من يستغل العاطفة الدينية من أجل الاسترزاق، بعمل مشاريع تحمل طابعاً دينياً، وقد يكون العنصر النسائي أكثر استهدافاً في مثل هذه الموارد.
  6. مراعاة الأعراف والأخلاقيات العامة، فينبغي تَجَنُب المظاهر المُستغربة والمُستهجنة عرفاً، حتى لا تكون الطقوس الدينية منفرة، أو لا يكون لها أثر في النفس.
  7. في المجربات الغير منصوص عليها ينبغي أن تؤخذ من أيدي أمينة وموثوق فيها كالعلماء وأساتذة الأخلاق المشهود لهم في الوسط الديني، ويُتجنب الدعاوى المريبة والمجهولة، والمجربات التي تكون من عند بسطاء المجتمع، فالعلماء – عادة – يكونوا أكثر مراعاة من الناحية الفقهية في تحديد الكيفيات، وأشد حذراً في عمل المجربات، كما أن العلماء يكون لهم استعداداً وقابلية أكبر لأن يُظهر الله تعالى على أيديهم الخير والبركة.
  8. إعطاء المسائل حجمها الطبيعي، للتخفيف من لغة التهويل والتصعيد – التي لا يكاد يخلو منها خلاف – في التعاطي مع الرأي الآخر في قبول المجربات ورفضها، لاسيّما المجربات الغير منصوصة، التي تُعتبر من القضايا الجزئية، فكثير من ردود الأفعال في مثل هذه المواطن لا تعدو كونها تهكمية واستفزازية بعيدة عن أدوات الإصلاح.

الكاتب husham

husham

مواضيع متعلقة

اترك رداً