السفير الثاني محمد بن عثمان العمري دراسة في سيرته ومكانته العلمية

img

للفضيلة نجومها
بقلم ساجد صباح العسكري نشرت في أغسطس 17, 2018
اسمه وكنيته ولقبه ونسبه:
محمد بن عثمان بن سعيد العمري بفتح العين، يكنى أبو جعفر(1)، تشرف بخدمة صاحب الزمان والنيابة الخاصة عنه، وأبوه عثمان بن سعيد السفير الأول للإمام المهدي (عج).
ولقب بالعمري، اعتماداً على ما قيل في حق أبيه، نسبةً إلى جده، فقد روى الشيخ الطوسي في الغيبة (قال قوم من الشيعة: إن أبا محمد الحسن بن علي (عليه السلام) قال: لا يجمع على امرئ بين عثمان وأبو عمرو. وأمر بكسر كنيته، فقيل العمري، ويقال له: العسكري أيضًا، لأنه كان من عسكر سر من رأى، ويقال له: السمّان، لأنه كان يتجر في السمن تغطية على الأمر)(2).
ولقب بالخِلّاني، نسبة إلى بيعه الخلّ، حيث كان يكتسب به تستراً بالكسب عن ضغط بعض المتعصبين من أهل الخلاف، كما كان والده عثمان بن سعيد يبيع السمن حتى عرف بالسمّان، وقيل: إن من حلمه وورعه وعقليته الجبارة، ووداعته وصفائه، وكان لا يحمل حقدًا على أحد قط فهو خِلٌّ لكل إنسان، صاحب وصديق، فاشتهر عند الناس بالخِلّاني(3).
وينتسب لقبيلة بني أسد لذا لُقب بـ (الأسدي)، وقبيلة بني أسد من القبائل العربية العدنانية العريقة التي يرجع نسبها إلى مضر بن نزار بن معد بن عدنان سكنوا نجد ثم سكنوا العراق في الكوفة تحديداً في بداية ظهور الإسلام(4)، ولقبيلة بني أسد مواقف مشرفة مع الرسول (صلى الله عليه وآله) ومع الأئمة المعصومين (عليهم السلام)(5) .
مكانته العلمية والاجتماعية:
أجمع المترجمون لحياته على وثاقته وعدالته وأن له منزلة عظيمة عند الشيعة، وخصوصاً بعد أن تولى شؤون السفارة والنيابة الخاصة عن الإمام المهدي (عج)، وتضافرت الروايات الدالَّة على جلالة شأنه وعظم مقامه(6).
كان أبوه من خواص أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام)، وبابه، ووكيله، ثم تشرف بمقام النيابة الخاصة، فكان السفير الأول للإمام المهدي (عج).
جاء في حق الشيخ محمد بن عثمان وأبيه كثير من نصوص المدح والثناء على لسان المعصومين، وأصحاب التراجم والسير، ومما جاء في حقهما:
ما رواه الكليني عن الإمام العسكري أنه قال: (العمري وابنه ثقتان، فما أديا إليك عني فعني يؤديان وما قالا لك فعني يقولان، فاسمع لهما وأطعمها فإنهما الثقتان المأمونان، فهذا قول إمامين قد مضيا فيك)(7).
وما رواه الشيخ الطوسي بسنده إلى عبد الله بن جعفر الحميري قال: خرج التوقيع إلى أبي جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري في التعزية بأبيه، وفيه: (أجزل الله لك الثواب، وأحسن لك العزاء، رزئت ورزئنا وأوحشك فراقه وأوحشنا، فسرَّه الله في مُنقلبه، وكان من كمال سعادته أن رزقه الله تعالى ولداً مثلك يخلفُه من بعده، ويقوم مقامه في أمره، ويترحم عليه…) إلى أن يقول له: (أعانك الله وقوّاك وعضدك ووفّقك، وكان لك ولياً وحافظاً وراعياً وكافياً)(8).
وفي حديث آخر يرويه الشيخ الطوسي: (إنا لله وإنا إليه راجعون تسليمًا لأمره ورضىً بقضائه، عاش أبوك سعيدًا ومات حميدًا فرحمه الله وألحقه بأوليائه ومواليه (عليهم السلام)، فلم يزل مجتهدًا في أمرهم، ساعيًا فيما يقربه إلى الله عز وجل وإليهم، نضر الله وجهه، وأقاله عثرته)(9).
ومنه أيضًا ما جاء بتوقيع الإمام المهدي (عج): (… وأما محمد بن عثمان العمري رضي الله عنه وعن أبيه من قبل، فإنه ثقتي وكتابه كتابي …)(10).
وروى الشيخ الطوسي بسنده عن محمد بن إبراهيم بن مهزيار الأهوازي أنه خرج إليه بعد وفاة أبي عمرو: والابن وقاه الله لم يزل ثقتنا في حياة الأب رضي الله عنه وأرضاه ونضر وجهه، يجري عندنا مجراه، ويسد مسده، وعن أمرنا يأمر الابن وبه يعمل…)(11).
فهذا الثناء من المعصوم والترضي عليه يدل على عظيم المنزلة، وكونه أهلاً لأن ينوب مناب الإمام في الغيبة الصغرى.
فقد ورد أنه: (لم تزل الشيعة مقيمة على عدالة عثمان بن سعيد رحمه الله تعالى وغسله ابنه أبو جعفر محمد بن عثمان، وتولى القيام به، وجعل الأمر كله مردودًا إليه، والشيعة مجتمعة على عدالته وثقته وأمانته لما تقدم له من النص عليه بالأمانة والعدالة، والأمر بالرجوع إليه في حياة الحسن (عليه السلام) وبعد موته في حياة أبيه عثمان بن سعيد، لا يختلف في عدالته، ولا يرتاب بأمانته، والتوقيعات تخرج على يده إلى الشيعة في المهمات طول حياته بالخط الذي كانت تخرج في حياة أبيه عثمان، لا يعرف الشيعة في هذا الأمر غيره، ولا يرجع إلى أحد سواه، وقد نقلت عنه دلائل كثيرة، ومعجزات الإمام ظهرت على يده، وأمور أخبرهم بها عنه زادتهم في هذا الأمر بصيرة، وهي مشهورة عند الشيعة)(12).
وروى الشيخ محمد بن عثمان العمري عن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) والإمام المهدي (عج)، وله كتبٌ مصنَّفة في الفقه ممّا سمعه منهما ومن أبيه عثمان عن الإمامين الهادي والعسكريّ (عليه السلام)، منها كتاب (الأشربة).
وقد ذُكر أنّها صارت في يد أبي القاسم الحسين بن روح عند الوصية إليه، ثمّ إلى أبي الحسن محمد بن علي السمري(13).
تحمل الشيخ العمري أعباء السفارة وسار بها بأحسن ما يكون رغم أن مدة سفارته من أطول السفارات، وكثر فيها المدعون للسفارة كذباً، الأمر الذي تطلب منه المواجهة الحاسمة معهم، ثم مهد بعد ذلك لسفارة الحسين بن روح من خلال أساليب عديدة سنذكرها لاحقاً إن شاء الله.
فكان حقيقاً بأن يكون الشخص المناسب في تلك المرحلة، بتأدية ما كلف به من قبل المعصوم على أكمل وجه.
التمهيد لمن يخلفه في السفارة
كان من ضمن الواجبات المناطة بالسفير محمد بن عثمان (رضي الله عنه) هو التمهيد والتهيئة لمن يخلفه بالسفارة والنيابة عن الامام (عج) وإعلام الشيعة بذلك وترويضهم عليه، وقد قام بعدة أعمال تلفت النظر لدى الشيعة بالشخص الذي سيخلفه وبأهميته، وقد ابتدأ تلك الأعمال قبل رحيله بسنتين أو أكثر، ومما قام به:
1ـ حدث أبو عبد الله جعفر بن محمد المدائني … قال: كان من رسمي إذا حملت المال الذي في يدي إلى الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري قدس سره أن أقول له: ما لم يكن أحد يستقبله بمثله: هذا المال ومبلغه كذا وكذا للإمام (عليه السلام)، فيقول لي: نعم دعه فأراجعه، فأقول له: تقول لي: إنه للإمام؟ فيقول: نعم للإمام (عليه السلام) فيقبضه.
فصرت إليه آخر عهدي به قدس سره ومعي أربعمائة دينار، فقلت له على رسمي، فقال لي: امض بها إلى الحسين بن روح، فتوقفت فقلت: تقبضها أنت مني على الرسم؟ فرد علي كالمنكر لقولي، وقال: قم عافاك الله فادفعها إلى الحسين بن روح…. (فتلكأ في الذهاب) …. فقال لي وهو مغضب: قم عافاك الله، فقد أقمت أبا القاسم حسين بن روح مقامي ونصبته منصبي، فقلت: بأمر الإمام؟ فقال: قم عافاك الله كما أقول لك، فلم يكن عندي غير المبادرة. فصرت إلى أبي القاسم بن روح وهو في دار ضيقة فعرفته ما جرى فسر به وشكر الله عز وجل ودفعت إليه الدنانير، وما زلت أحمل إليه ما يحصل في يدي بعد ذلك (من الدنانير)(14).
2ـ حدث أبو جعفر محمد بن علي الأسود (رحمه الله) قال: كنت أحمل الأموال التي تحصل في باب الوقف إلى أبي جعفر محمد بن عثمان العمري (رحمه الله) فيقبضها مني، فحملت إليه يومًا شيئًا من الأموال في آخر أيامه قبل موته بسنتين أو ثلاث سنين، فأمرني بتسليمه إلى أبي القاسم الروحي رضي الله عنه، فكنت أطالبه بالقبوض، فشكا ذلك إلى أبي جعفر رضي الله عنه فأمرني أن لا أطالبه بالقبوض، وقال: كل ما وصل إلى أبي القاسم فقد وصل إلي، فكنت أحمل بعد ذلك الأموال إليه ولا أطالبه بالقبوض(15).
3ـ وقبل وفاته رضوان الله عليه فقد أوصى بأبي القاسم حسين بن روح أن يكون خلفاً له، وقد وردت عدة روايات بهذا الصدد وللاختصار نكتفي بهذه الرواية:
(….لما اشتدت حاله ـ يعني محمد بن عثمان العمري ـ اجتمع جماعة من وجوه الشيعة،… والأكابر ، فدخلوا على أبي جعفر ـ يعني محمد بن عثمان العمري ـ (رضي الله عنه) فقالوا له: إن حدث أمر فمن يكون مكانك؟ فقال لهم: هذا أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي القائم مقامي والسفير بينكم وبين صاحب الأمر (عليه السلام)والوكيل له، والثقة الأمين، فارجعوا إليه في أموركم وعوّلوا عليه في مهماتكم فبذلك أمرت وقد بلغت)(16).
وهكذا قد أتم الحجة وبلغ عن الإمام (عليه السلام) ما ينبغي عليه أن يبلغه، وبذلك يكون قد ختم سفارته، وسلَّم مقاليد الأمانة التي أوكلت إليه إلى من يكمل السفارة بعده بأفضل ما يكون.
4ـ وفاته ومرقده:
كان الشيخ محمد بن عثمان العمري على علم بزمن موته، إذ حفر لنفسه قبراً وسواه بالساج قبل شهرين من وفاته، فقد روي الشيخ الطوسي بسنده عن أبي الحسن علي بن أحمد الدلال القمي قال: (دخلت على أبي جعفر محمد بن عثمان (رضي الله عنه) عنه يومًا لأسلم عليه، فوجدته وبين يديه ساجة ونقاش ينقش عليها ويكتب آيًا من القرآن وأسماء الأئمة (عليهم السلام) على حواشيها. فقلت له: يا سيدي ما هذه الساجة؟ فقال لي: هذه لقبري تكون فيه أوضع عليها أو قال: أسند إليها وقد عرفت منه، وأنا في كل يوم أنزل فيه فأقرأ جزءًا من القرآن فيه فأصعد، وأظنه قال: فأخذ بيدي وأرانيه، فإذا كان يوم كذا وكذا من شهر كذا وكذا من سنة كذا وكذا صرت إلى الله عز وجل ودفنت فيه وهذه الساجة معي.
فلما خرجت من عنده أثبت ما ذكره ولم أزل مترقبًا به ذلك فما تأخر الأمر حتى اعتلَّ أبو جعفر، فمات في اليوم الذي ذكره من الشهر الذي قاله من السنة التي ذكرها، ودفن فيه)(17).
واختلف في تاريخ وفاته، فقد روي أنّه وجد بخط أبي غالب الزراري أنه توفي في آخر جمادي الأولى سنة 305هـ، وروي أنه توفي سنة 304 هـ(18).
دفن في بغداد في الرصافة، في باب الكوفة قديماً في محلة الخِلّاني التي سميت نسبةً إليه، وهو أحد المراكز الشيعية المهمة في بغداد، واليوم يطل مرقده على شارع الجمهورية العام يراه الرائي من بعيد، وله حرم مجلل إلى جانب جامع عامر بالمصلين سمي بجامع الخلاني نسبة إليه، أمامه صحن واسع.
يتميز الجامع عن جوامع العراق والعالم الإسلامي في أن قبته أعلى من منارته حيث لم يلتفت من جدد القبة إلى ذلك إلّا بعد الانتهاء من التجديد، وفيه مكتبة عامرة ذات كتب ومخطوطات قيمة، تعرف بمكتبة الخلاني تأسست سنة 1364 ه‍ (19).
ذكر الرحالة مصطفى بن كمال الدين الصديقي الدمشقي قبر الشيخ محمد بن عثمان العمري في كتابه (كشط الصدا وغسل الران في زيارة العراق وما والاها من البلدان، الورقة 57)، عند نزوله في بغداد سنة1139هـ -1726م(20).
جُدد مرقده سنة 1349هـ، ثم جددت قبته وحرم الشيخ من قبل المتبرع الحاج إبراهيم بن حسن بن وهيب الحمامي عام 1391هـ -1971م(21).
لم يسلم المزار والمسجد من الاعتداءات الإرهابية التي لحقت المزارات في العراق، فقد تعرض لاعتداءٍ إرهابي بشاحنةٍ مفخخةٍ بتاريخ 19/6/ 2007م، أدت إلى استشهاد 78 شهيداً وجرح أكثر من 200 آخرين، وأسفر أيضا عن تدمير جزءٍ كبيرٍ من جامع الخلاني(22).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1)ينظر خلاصة الأقوال، العلامة الحلي: 250.
2)الغيبة/الشيخ الطوسي :ص 354.
3)مراقد المعارف، حرز الدين : 1/ 278.
4)ينظر معجم قبائل العرب، عمر كحاله: 1/21.
5)ينظر سلسة القبائل العربية في العراق/الشيخ علي الكوراني:5/17-74.
6) ينظر موسوعة طبقات الفقهاء : 4/426.
7) الكافي، الكليني: 1/330.
8) 8ـ الغيبة/الشيخ الطوسي/ص361.
9) ن.م.
10) ن.م/ ص291.
11) ن.م.
12) ن.م/ ص363
13) ن.م.
14) ن.م/ص368
15) ن.م.
16)ن.م.
17) ن.م/ص365.
18)ن.م.
19) ينظر مراقد المعارف : 2/62.
20) الموسوعة الحرة (ويكيبيديا) على الموقع : جامع- الخلاني/ ar.m.wikipedia.org\ wiki//https:.
21) موقع المجمع العالمي لمعرفة الشيعة والتشيع على الرابط:
22) http://shiastudies.net/article/arabic/Article.php?id=7927.
23) موقع طريق كربلاء على الموقع:
a. &part=19 http://www.tariq-karbala.net/?cat.

الكاتب ya fatima

ya fatima

مواضيع متعلقة

اترك رداً