التوسل والاستغاثة بالسيدة فاطمة الزهراء عليها السلام حقيقة التوسل والاستغاثة
بالزهراء ( عليها السلام )
التوسل بفاطمة ( عليها السلام )
للخطيب الشيخ محسن الفاضلي
توسلت بالحوراء فاطمة الزهرا * لتلهمني حتى أقول بها شعرا
فجاء بحمد الله ما كنت أبتغي * *فأبديت للمعبود خالقي الشكرا
أجل هي روح المصطفى كف ء حيدر * وأم أبيها هل ترى مثله فخرا
أو المثل الأعلى بكل خصالها جلالا كمالا عفة شرفا قدرا
حوت مكرمات قط لم يحو غيرها * فمن بالثنا منها ألا قل لنا أحرى وسيلتنا والله خير وسيلة بحق كما وهي الشفيعة في الأخرى
أيا قاتل الله الذي راعها وقد عليها قسى ظلما وروعها عصرا
وسود متنيها وأحرق بابها * وأسقطها ذاك الجنين على الغبرا
أيا من تواليها أتنسى مصابها وتسلو وقد أمست ومقلتها حمرا
من الضرب ضرب الرجس يوم تمانعت * بأن يذهبوا بالمرتضى بعلها قسرا
وعادت تعاني هظمها ومصابها * بفقد أبيها وهي وا لهفتا عبرى
إلى أن قضت روحي فداها ولا تسل * عن أحوالها والله من كلنا أدرى
البحث الأول
حقيقة التوسل والاستغاثة بالزهراء ( عليها السلام )
منذ أن خلق الله البشرية وبالتحديد منذ أن خلق أدم وحواء جعل لهم وسيلة
يتوسلون بها إليه لقضاء حوائجهم خصوصا أن أبينا آدم ( عليه السلام ) عندما أذنب بترك
الأولى قد توسل إلى الله تعالى بغفران ذنبه ” تركه الأولى ” وكان من جملة ما توسل به
الكلمات التي تلقاها من الله تعالى وتاب بها عليه تبارك وتعالى ولقد فسرت هذه
الكلمات بأصحاب الكساء الخمسة محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات
الله وسلامه عليهم أجمعين كما جاء ذلك في تفسير قوله تعالى * ( فتلقى آدم من ربه
كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم ) * ( 1 ) ، إن آدم رأى مكتوبا على العرش أسماء
معظمة مكرمة ، فسأل عنها فقيل له : هذه أسماء أجل الخلق منزلة عند الله تعالى
والأسماء هي : محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام فتوسل آدم ( عليه السلام )
إلى ربه بهم في قبول توبته ورفع منزلته .
به قد أجاب الله آدم إذ دعا * ونجي في بطن سفينة نوح
قوم بهم غفرت خطيئة آدم * وهم الوسيلة والنجوم الطلع ( 2 )
وعلى هذا الأساس كان التوسل بأولياء الله وأحبائه من الأمور المتعارفة والمتسالمة
عليها عند المسلمين بل يتعدى ذلك إلى غير المسلمين فنحن نجد أن الكثير من
الديانات الأخرى غير الإسلامية تتوسل بشئ ما للتقرب إلى الله تعالى أو إلى الآلهة
التي يعتقدون بها وهذا ما وجدنا في مشركي قريش حيث كانوا يعبدون اللات والعزى
ليقربونهم إلى الله زلفى وكما صرح بذلك القرآن الكريم في بعض آياته ، وعلى كل حال
فقد وردت عدة آيات قرآنية تؤكد هذه المسألة في القرآن الكريم منها قوله تعالى :
- ( وابتغوا إليه الوسيلة ) * ( 1 ) ، حيث كان القرآن موافقا في هذه المسألة للعقلاء أنفسهم
وهذا ما نجده في طلب الناس حوائجهم من الذين هم في موضع القيادة أو المسؤولية
فيسألونهم قضاء حوائجهم وهم أما زعيم أو رئيس أو حتى رجل كريم . . . وهذا ليس
من الشرك في شئ ، فهذا مما يساعد عليه العرف العقلائي فنحن عندما نذهب إلى
الطبيب نلتمس لديه الشفاء والعلاج وصولا إلى الصحة والسلامة ، وما الطبيب
الحقيقي إلا الله تعالى فهل هذا يعتبر شركا بالله عز وجل ؟ ويدل على هذا الأمر ما روي
في قصة أبناء يعقوب على لسان القرآن الكريم عندما أدركوا أنهم قد ارتكبوا ذنوبا
كثيرة بحق أخيهم يوسف حيث جاءوا أباهم يعقوب قائلين : * ( يا أبانا استغفر لنا
ذنوبنا إنا كنا خاطئين ) * ( 2 ) على أساس أن أباهم هو وسيلة الغفران لهم من قبل رب
العالمين * ( وابتغوا إليه الوسيلة ) * .
وعلى هذا الأساس كان التوسل أمرا دينيا قد تعارف عليه الناس منذ أن خلق الله
البشرية وقد جاء الإسلام ليؤكد على ضرورة هذا الأمر وذلك من خلال اتخاذ
الوسيلة التي نتوسل بها إلى الله تعالى ، ولم نجد من وقف ضد هذا الأمر – أي التوسل –
إلا ما أسسه ابن تيمية وتلاميذه في القرن الثامن الهجري ، وتلاه في عقائده الباطلة
والتي لا تمتلك دليل منطقي برهاني محمد بن عبد الوهاب الذي أسس أضل وأطغى
جماعة على الدين الإسلامي ألا وهي الوهابية العمياء فاعتبر التوسل بأولياء الله
تعالى من الأنبياء والأوصياء وعباد الله الصالحين بدعة – تارة – وعبادة للأولياء
أنفسهم تارة أخرى .
وقد خالفت الوهابية كل المرتكزات العقلائية في هذا المضمار وخصوصا نحن نؤمن بأن
القرآن الكريم قد أكد على حقيقة اتخاذ الوسيلة وبأشكال متعددة ، وليس هذا على
ما يدعيه محمد بن الوهاب نوعا من أنواع الشرك بالله تعالى ، والقرآن الكريم نفسه أكد
على ضرورة اتخاذ الوسيلة إلى الله تعالى .
والتوسل يكون على قسمين أو صورتين :
1 – التوسل بالأولياء أنفسهم ، كأن نقول : ( اللهم أني أتوسل إليك بنبيك محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن
تقضي حاجتي ) .
2 – التوسل بمنزلة الأولياء وجاههم عند الله تعالى ، كأن نقول ( اللهم أني أتوسل إليك
بجاه محمد وحرمته وحقه أن تقضي حاجتي ) .
أما الوهابية فإنهم يحرمون الصورتين معا ، في حين أن الأحاديث الشريفة وسيرة
المسلمين تشهدان بخلاف ما تدعيه الوهابية وتؤكدان جواز الصورتين معا ( 1 ) .
فلقد جاء الحديث الشريف عن عثمان بن حنيف ليؤكد على هذه الحقيقة حقيقة جواز
التوسل بأولياء الله تعالى حيث يقول : ” إن رجلا ضريرا أتى إلى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال : أدع
الله أن يعافيني .
فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : إن شئت دعوت ، وأن شئت صبرت وهو خير ؟
فقال : فادعه – فأمره – أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويصلي ركعتين ويدعوا بهذا
الدعاء : اللهم أني أسئلك وأتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة ، يا محمد إني أتوجه بك إلى
ربي في حاجتي لتقضى ! ، اللهم شفعه في .
قال ابن حنيف : فوالله ما تفرقنا وطال بنا الحديث حتى دخل علينا كأن لم يكن به
ضر .
ويعتبر هذا الحديث من الأحاديث الصحيحة السند وقد أثبتته كتب العامة قبل
الخاصة حتى ابن تيمية نفسه اعتبر ناقل هذا الحديث ثقة ( 2 ) .
أن هذا الحديث من خلال التأمل الدقيق في ألفاظه يظهر معناه واضحا جليا . حيث
دل على أن الإنسان له أن يتوسل إلى الله تعالى بالذين جعلهم أدلاء على مرضاته
وسبل نجاته ألا وهم الأنبياء وأفضلهم وأحسنهم خاتمهم نبينا محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأهل بيته ،
والتوسل يكون بحرمتهم وكرامتهم وحقهم على الله تعالى .
أما التوسل بالأنبياء وبحقهم
فهذا ما جاء على لسان الحديث المروي في وفاة فاطمة أم أمير المؤمنين حيث يقول
الحديث ” لما ماتت فاطمة بنت أسد دخل عليها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فجلس عند رأسها
فقال : رحمك الله يا أمي بعد أمي ثم دعا رسول الله أسامة بن زيد وأبا أيوب الأنصاري
وعمر بن الخطاب وغلاما أسود يحفرون ، فحفروا قبرها ، فلما بلغوا اللحد حفر رسول
الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بيده وأخرج ترابه فلما فرغ دخل رسول الله فاضطجع فيه ، ثم قال : والله
الذي يحيي ويميت وهو حي لا يموت اغفر لأمي فاطمة بنت أسد ، ووسع عليها مدخلها
بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي ( 1 ) .
أما ما ورد في التوسل بالنبي نفسه ، فقد روى جمع من المحدثين أن أعرابيا دخل على
رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وقال : ” لقد أتيناك وما لنا بعير يئط – أي مثل صوت البعير – ولا
صبي يغط – وهو صوت النائم – ثم أنشأ يقول :
أتيناك والعذراء تدمى لبانها * وقد شغلت أم الصبي عن الطفل
ولا شئ مما يأكل الناس عندنا * سوى الحنظل العامي والعلهز الفسل
وليس لنا إلا إليك فرارنا * وأين فرار الناس إلا إلى الرسل
فقام رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يجر رداءه ، حتى صعد المنبر فرفع يديه وقال : اللهم اسقنا غيثا . . .
فما ردا النبي حتى ألقت السماء . . .
ثم قال : لله در أبي طالب لو كان حيا لقرت عيناه من ينشدنا قوله ؟
فقام علي بن أبي طالب ( عليهما السلام ) وقال : كأنك تريد يا رسول الله – قوله :
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للأرامل
يطوف به الهلاك من آل هاشم * فهم عنده في نعمة وفواضل .
فقال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : أجل فأنشد علي ( عليه السلام ) أبياتا من القصيدة ، والرسول يستغفر لأبي
طالب على المنبر ، ثم قام رجل من كنانة وأنشد يقول :
لك الحمد والحمد ممن شكر * سقينا بوجه النبي المطر ( 2 )
ولنعم ما قال سواد بن قارب في القصيدة التي يتوسل بها بالنبي محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم )
وأشهد أن الله لا رب غيره * وأنك مأمون على كل غائب
وأنك أدنى المرسلين وسيلة * إلى الله يا بن الأكرمين الأطائب
فمرنا بما يأتيك يا خير مرسل * وإن كان فيما فيه شيب الدوائب
وكن لي شفيعا يوم لا ذو شفاعة * بمضض فتيلا عن سواد بن قارب ( 1 )
أما التوسل بأولياء الله تعالى فهذا ما أثبتته الكتب الكثيرة وخاصة الموجودة في كتب
العامة حيث ورد في كيفية استسقاء المسلمون بعم النبي ” العباس ” واستسقى عمر بن
الخطاب بالعباس عام الرمادة ، لما اشتد القحط فسقاهم الله تعالى به ، وأخصبت
الأرض – فقال عمر هذا – والله – الوسيلة إلى الله والمكان منه .
وقال حسان :
سأل الإمام وقد تتابع جد بنا * فسقى الغمام بغرة العباس
عم النبي وصفو والده الذي * ورث النبي بذاك دون الناس
أحيى الإله به البلاد فأصبحت * مخضرة الأجناب بعد اليأس
ولما سقي الناس طفقوا يتمسحون بالعباس ويقولون هنيئا لك ساقي الحرمين ( 2 ) .
أقول : بعد هذا البيان يظهر لنا أن التوسل بالأولياء الصالحين مما جرت به السنة
الشريفة فضلا عن القرآن الكريم نفسه ، وعلى هذا الأساس جاء هذا الدعاء المروي
عن علمائنا الأفاضل :
” اللهم إني أسألك بحق فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها . . . . . والذي يظهر من خلال استقراء
الروايات المأثورة في حق الزهراء أن هذا الدعاء وارد في حق التوسل بالصديقة
الطاهرة الزهراء ( عليها السلام ) فتارة نجد بعض الأحاديث تبين كيفية التوسل بالزهراء وتارة
أخرى تبين كيفية الاستغاثة بالصديقة الشهيدة سلام الله عليها .
فقد ورد عن لسان العلامة المتبحر المجلسي ما نصه : وجدت نسخة قديمة من مؤلفات
بعض أصحابنا رضي الله عنهم ما هذا لفظه :
هذا الدعاء رواه محمد بن بابويه رحمه الله ، عن الأئمة ( عليهم السلام ) وقال : ما دعوت في أمر
إلا رأيت سرعة الإجابة وهو . . .
( يا فاطمة الزهراء يا بنت محمد ، يا قرة عين الرسول ، يا سيدتنا ومولاتنا ، إنا
توجهنا واستشفعنا ، وتوسلنا بك إلى الله ، وقدمناك بين يدي حاجاتنا ، يا وجيهة عند
الله إشفعي لنا عند الله . . . ) * ( 1 ) .
وروي في كيفية التوسل بالزهراء ، أن تصلي ركعتين ، فإذا سلمت فكبر الله ثلاثا ،
وسبح تسبيح الزهراء ( عليها السلام ) واسجد وقل مائة مرة : يا مولاتي ، يا فاطمة أغيثيني ، ثم ضع
خدك الأيمن ، وقل كذلك ، ثم عد إلى السجود وقل كذلك ، ثم خدك الأيسر على
الأرض وقل كذلك ، ثم عد إلى السجود وقل كذلك مائة مرة وعشر مرات ، وأذكر
حاجتك تقضى ( 2 ) . أما صلاة الاستغاثة بالبتول فهو نفس العمل السابق إضافة إلى
ذلك تقول في السجود :
( يا آمنا من كل شئ وكل شئ منك خائف حذر ، أسألك بأمنك من كل شئ
وخوف كل شئ منك ، أن تصلي على محمد وآل محمد ، وأن تعطيني أمانا لنفسي
وأهلي ومالي وولدي حتى لا أخاف أحدا ولا أحذر من شئ أبدا ، إنك على كل
شئ قدير ) * .
والدعاء الذي افتتحنا به البحث يؤكد على مسألة مهمة أخرى وهي حق فاطمة ( عليها السلام )
والذي يهمنا في هذا المقام هو معرفة حق فاطمة وما المقصود منه ، والذي نراه بعد تتبع
بعض روايات أهل البيت ( عليهم السلام ) أن حق أهل البيت عظيم وحقوقهم كثيرة ، ولكن
الأهم من هذا كله هو معرفة الحق الأكبر ، والذي عبرت عنه الروايات حق المعرفة ،
وبعبارة أخرى أهم حق هو معرفة كونهم ( عليهم السلام ) مفترضو الطاعة وهذا ما أشارت إليه
الكثير من الروايات المروية في المقام .
حيث فسرت حق الأئمة تارة بأنهم حجة الله على الخلق والباب الذي يؤتى منه
والمأخوذ عنه ، وأنهم مفترضو الطاعة ، وهكذا بالنسبة للأئمة ( عليهم السلام ) ، أما الصديقة
الشهيدة ، فحقها كبير على الناس وخصوصا الأنبياء ، حيث ورد أنه ما تكاملت نبوة
نبي من الأنبياء حتى أقر بفضلها ومحبتها وهي الصديقة الكبرى وعلى معرفتها دارت
القرون الأولى ، وكذلك ورد أنها مفترضة الطاعة على جميع البشر وهذا حقها الأكبر
على الناس حيث يقول الحديث :
” ولقد كانت ( عليها السلام ) مفروضة الطاعة ، على جميع من خلق الله من الجن والأنس والطير ،
والوحش ، والأنبياء ، والملائكة ” ( 1 ) . على أنه كلما ثبت من حقوق للأئمة ( عليهم السلام ) فهو ثابت
للصديقة الطاهرة فاطمة ( عليها السلام ) وخصوصا نحن نعلم أنه ورد عن الإمام الحسن
العسكري ( عليه السلام ) أنه قال : ( نحن حجج الله على الخلق وجدتنا فاطمة حجة الله علينا ) .
إذن من خلال هذا الموضوع نفهم أن لحقيقة التوسل بالصديقة الشهيدة ( عليها السلام ) لقضاء
الحاجات بوجاهتها عند الله دورا مهما في ترسيخ عقيدة الإنسان المؤمن بها حيث بعد
قضاء الحاجة على يديها يجد المؤمن إيمانا راسخا بها هذا من جهة ، وأن حقيقة التوسل
بها يضعنا أمام جملة من الحقائق لا بد من الوقوف معها والتأمل في مغزاها من جهة
أخرى .
وأول هذه الحقائق المنزلة العظيمة والجليلة والفريدة التي كانت تتمتع بها بضعة النبي
( صلى الله عليه وآله وسلم ) مما جعلها موئلا لكل مستغيث ومقصدا لكل طالب حاجة ضاق بحاجته ذرعا
وهو لا يدري باب من يطرق حتى تقضى حاجته وتجاب استغاثته ، فإذا بالإمام
الصادق ( عليه السلام ) يقول لنا : عليكم بالزهراء ، استغيثوا باسمها ونادوا مولاتكم فاطمة ،
وحينئذ تقضى حاجتكم ، وتنالون مطلبكم ويكفي في مقام بيان منزلتها أنها كانت
المرجع لأبيها حيث كناها النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بأم أبيها ، وأنها كانت بضعة منه فمن أغضبها فقد
أغضبه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ويكفي في منزلتها أيضا أنها سيدة نساء أهل الجنة ، بل سيدة نساء
العالمين من الأولين والآخرين في الدنيا والآخرة ، وأنها أم الأئمة المعصومين وأنها
حليلة سيد الأوصياء علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) .
وأما الحقيقة الثانية التي أثبتتها أحاديث التوسل بالصديقة الشهيدة ، هو مسألة
الشفاعة ، ولما لها من الأهمية الكبرى في حياة الفرد المؤمن ، حيث نجد مسألة الشفاعة
لها دور كبير في بعث الأمل في روح المذنبين وأن لهم أملا يظهر خلال الدنيا على نحو
التوسل وفي الآخرة على نحو الشفاعة وهذا ما أكده القرآن الكريم في كثير من آياته
حيث يقول سبحانه وتعالى : * ( يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ) * ( 1 ) ،
- ( ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له ) * ( 2 ) ، * ( لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ
عند الرحمن عهدا ) * ( 3 ) . فإذا كان الله سبحانه وتعالى يأذن لبعض عباده بأن يشفعوا
لغيرهم من الناس فمن أولى من بضعة الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بهذه الخصوصية .
والحقيقة الأخرى التي كشفت عنها روايات التوسل والاستغاثة بالصديقة الشهيدة
هي مسألة تسبيح الزهراء ( عليها السلام ) ، ذلك التسبيح الذي علمه الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لابنته بأن تكبر الله سبحانه أربعا وثلاثين وتحمده ثلاثا وثلاثين وتسبحه ثلاثا وثلاثين ، عندما
جاءته والإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) تشكو له ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إجهادها ونصبها ومعاناتها في
عمل البيت ، فطلبت منه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن يعينها بخادمة تكون معوانا لها ، فكان أن علمها هذا
التسبيح الذي عملت به سلام الله عليها وعنها أخذ المؤمنون يسبحون به ويتعبدون
بعد كل صلاة .
وكأنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أراد أن تصبح الزهراء ( عليها السلام ) حاضرة في كل صلاة يؤديها
مؤمن ، إذ كلما تعبد بهذا التسبيح متعبد تذكر الزهراء ومكانتها من الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ومن
الله سبحانه وتعالى .
اترك رداً