أصدر شهيد المحراب (قدس سره) بياناً بمناسبة استشهاد الإمام علي الهادي (عليه السلام)، وكان البيان الأخير له (قدس سره)، وهذا نصه:

img

أيها الزائرون الأماجد..
أيها المؤمنون الكرام.. يا أبناء شعبنا العراقي الأبـي.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أتقدم إليكم بأحر التعازي وأبلغ المواساة، بمناسبة شهادة سيدنا ومولانا عاشر أئمة أهل البيت (عليهم السلام) الإمام أبي الحسن علي بن محمد الهادي العسكري (عليه السلام) هذا الإمام الهمام الذي كان له دور عظيم في المحافظة على الإسلام والقيم الإسلامية ومواجهة الطغاة والمستبدين، وبناء الجماعة الصالحة وإرساء قواعدها وتنظيم عملها، كما كان له في الوقت نفسه دور في التمهيد والتخطيط لغيبة الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) حيث انتقل مركز الإمامة في عصره إلى مدينة سامراء، وتشرفت بعد ذلك دون بقية الأمصار والبلاد بولادة خاتم الأوصياء سيدنا ومولانا إمام العصر والزمان (سلام الله عليه وعلى آبائه) وتحولت بذلك من مجرّد معسكر للظلم والاستبداد والطغيان إلى مكان مقدس تهوي إليه أفئدة الناس من كل حدب وصوب.
أيها الأخوة الأعزاء..
إننا عندما نحيي ذكرى شهادة سيدنا الإمام الهادي (عليه السلام) ونقيم الشعائر الدينية بهذه المناسبة، نريد بذلك أن نؤكد ولاءنا للنبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الكرام (عليهم السلام) والتعبير عن تمسكنا بمنهجهم وطريقهم ونجدد العهد مع الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام) . أننا على دربهم سائرون وبعروتهم الوثقى متمسكون وأوفياء لعهدهم ومبادئهم وقيمهم.
إننا نعيش في هذا العام عهداً جديداً وتحولاً كبيراً في الحرية والتعبير عن العقيدة والرأي والمواقف وإقامة الشعائر والمواساة لأهل البيت (عليهم السلام) في أحزانهم وأفراحهم، مما يجعلنا نشكر هذه النعمة العظيمة التي تفضل الله تعالى بها علينا ببركة جهاد العلماء وتضحية المجاهدين والدماء الزكية لشهدائنا الأبرار والآلام والمحن في المقاومة والصبر والاستقامة لأبناء أمتنا في العراق.
لقد حاولت قوى الظلم والاستبداد والطغيان في النظام السابق، تدعمها قوى الشر والاستكبار العالمي أن تنال من إرادة الشعب العراقي في الجهاد والمقاومة ومن عزته وكرامته في الإباء والشهامة ومن التزام بالمبادئ والقيم الإسلامية، ولكن شاء الله تعالى أن تكون هذه الإرادة قوية وهذا العز عالياً، وهذا الالتزام شديداً، ويأبى الله ورسوله وأنوف حمية وحجور طاهرة أن يؤثر الشعب العراقي طاعة اللئام على مصارع الكرام.
لقد كانت سامراء من خلال نور الهداية اللامع والبرهان الساطع المتمثل بالمهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه) والأمل المشرق الوضاء الدائم المستمر بتحقيق الوعد الإلهي بالاستخلاف للصالحين والغلبة للمرسلين مشعلاً لهداية السائرين في هذا الطريق، حيث كانوا يهتفون دائماً باسمه واسم أبيه الإمام الحسين (عليه السلام) وجده الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ، في تحقيق هذه الأهداف المقدسة في الإصلاح في الأرض والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وكانت سامراء أيضاً بلداً يعبـّر عن تعايش المسلمين بمذاهبهم المتعددة تحت راية الإسلام والحق وأهل البيت (عليهم السلام) وحبهم، وهذا ما عرفته سامراء في الكثير من عهودها ومراحل حياتها ومنها عهدها بالإمام المجدد السيد الشيرازي الكبير، والإمام المصلح السيد محسن الحكيم.
ويجدر بنا ونحن نعيش هذه الظروف القاسية التي يمر بها عراقنا الجريح أن نرفع أصواتنا بنداء الوحدة الإسلامية من سامراء وفي جوار مراقد أئمتنا الأطهار ـ كما صنعوا ذلك ـ والعمل الجاد على تحقيق التعايش والتعاون القوي الدائم بين المسلمين على اختلاف مذاهبهم واتجاهاتهم، وأن نؤكد باستمرار ضرورة التمسك بهذه الوحدة والتعاون لمواجهة متطلبات المرحلة الجديدة بكل أبعادها وتداعياتها، ونستمد العزم والإرادة والهداية والإرشاد من ناحية أخرى من الأئمة الأطهار (عليهم السلام) .
أيها الأخوة المؤمنون.. يا أبناء العراق الغيارى..
إنّ عراقنا الجريح يواجه تحديات عظيمة وخطيرة نحتاج فيها إلى مقومات القوة والمنعة، والتي تتمثل بالإيمان القوي والوعي والبصيرة والإرادة والعزم ووحدة الصف والكلمة والاستعداد الدائم للتضحية والفداء والمواجهة، لنتمكن من العمل الجاد على مواجهة التحديات وتحقيق الأهداف الصالحة والتي يمكن أن نلخصها بالنقاط التالية:
الأولى: المحافظة على الهوية الإسلامية لهذا الشعب المؤمن. شعب الحضارات والرسالات الإلهية وشعب الجهاد والتضحية، وشعب العلم والمعرفة وشعب حب أهل البيت (عليهم السلام) ، حيث إنّ الشعب العراقي الذي يمثل الإسلام هويته وأكثريته الساحقة مهدد بالالتفاف على هذه الهوية من خلال بعض مفاهيم الحضارة الغربية.
الثانية: تحقيق الأمن والاستقرار والمحافظة على النظام العام، إذ بدون ذلك يتحول العراق إلى الفوضى والاضطراب، وبدون الأمن لا يمكن أن يتحقق أي هدف من الأهداف الصالحة، ولا يمكن أن يتحقق هذا الأمن إلاّ باستلام مسؤوليته بيد العراقيين.
الثالثة: تحقيق الاستقلال وإنهاء الاحتلال وإخراج القوى الأجنبية من العراق بالوسائل المشروعة من المحادثات والمقاومة السياسية إلى الاستعداد الكامل لخوض المعركة إذا لزم الأمر.
الرابعة: تحقيق الحرية للشعب العراقي وإعطاء الفرصة له للتعبير عن رأيه في كل الأمور ذات العلاقة بإدارة الحياة العامة، والعمل على الخلاص من جميع آثار ومخلفات الظلم والاستبداد والطغيان وأزلامهم.
الخامسة: المحافظة على الوحدة التاريخية والاجتماعية والاقتصادية والمعنوية للشعب العراقي، حكومة وشعباً وأرضاً في مواجهة مخاطر التمزق الطائفي والقومي أو تشتت بعض أشلائه.
السادسة: تدوين الدستور العراقي من خلال مجلس حر كريم خبير ينتخبه العراقيون، ليعبروا فيه عن هويتهم وأهدافهم ويقدم الحلول الصحيحة لمشاكلهم وقضاياهم الكبيرة.
السابعة: العمل على تحقيق العدالة الاجتماعية والسياسية بين أبناء الشعب ليكون العراق لجميع العراقيين أكثرية وأقلية، ويكون العدل للجميع دون فرق بين شيعة وسنة وعرب وأكراد وتركمان وأقليات دينية.
الثامنة: الحذر الشديد من الفتن الطائفية والعنصرية وعمليات الثأر التي يغذيها بعض الطائفيين والعنصريين الداخليين وبعض السياسات ووسائل الإعلام الخارجية وذلك للكيد بالعراق وشعبه.
التاسعة: إقامة حكومة القانون والإصلاح بين الناس، وحكومة العدل والاستقرار والرفاه.
العاشرة: معالجة الخراب والدمار الذي خلّفه النظام في جميع أنحاء العراق، وكذلك العزلة الخارجية التي يعيشها العراق في الوقت الحاضر، الأمر الذي يحتاج إلى جهود استثنائية للعراقيين وطاقاتهم الخيـّرة المتفجرة.
أيها الأخوة المؤمنون..
إننا بحاجة لمواجهة هذه التحديات من الرجوع إلى الله تعالى بالتوبة والاستغفار، وإلى الإيمان العميق والاعتصام بحبل الله تعالى جميعاً دون فرقة أو حيرة وإلى حب أهل البيت (عليهم السلام) والتمسك بعروتهم، وأسأله تعالى أن يحفظكم ويتقبل عملكم ويؤجركم على جهودكم ويحقق النصر لكم وللمسلمين في مواقعهم ومعاركهم، وأن يرينا ذلك اليوم الذي تنتصر فيه راية الإسلام وتصبح خفّاقة على جميع أنحاء الأرض، يوم تملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، يوم ينادي المنادي يا لثارات الحسين (عليه السلام) فإنها ثارات الله تعالى.
تقبل الله عملكم وشكر سعيكم.
ودمتم موفقين.
29 ج2 1424هـ محمد باقر الحكيم

الكاتب ya fatima

ya fatima

مواضيع متعلقة

اترك رداً