أرجى آية في القرآن:
ينقل في تفسير الآية – محل البحث – حديث طريف عن الإِمام علي (عليه السلام) بهذا المضمون، وهو أنّه التفت مرّة إلى الناس وقال: “أي آية في كتاب الله أرجى عندكم”؟!
فقال بعضهم: (إِنّ الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء).
فقال (عليه السلام): حسنة ليست إِيّاها.
فقال آخرون: هي آية (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله).
فقال (عليه السلام): حسنة ليست إيّاها.
فقالوا: هي آية (ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثمّ يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً).
قال (عليه السلام): حسنة ليست إيّاها.
فقال آخرون: هي آية: (والذين إِذا فعلوا فاحشةً أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إِلا الله) فقال الإِمام أيضاً: “حسنة ليست إيّاها”.
ثمّ أجم الناس، فقال: مالكم يا معشر المسلمين، فقالوا: والله ما عندنا شيء قال (عليه السلام): “سمعت حبيبي رسول الله يقول: أرجى آية في كتاب الله (وأقم الصلاة طرفي النهار وزُلفا من الليل إِنّ الحسنات يُذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين)(7).
وبالطبع كما ذكرنا في شرح الآية (48) من سورة النساء: إِنه ورد حديث آخر يشير إلى أن أرجى آية في القرآن هي آية (إِنّ الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء).
ولكن مع ملاحظة أنّ كل آية من هذه الآيات تنظر إلى زاوية من هذا البحث وتبيّن بُعداً من الأبعاد، فلا تضادّ بينها.
وفي الواقع إِنّ الآية محل البحث تتحدّث عن أُولئك الذين يؤدّون الصلاة بصورة صحيحة، صلاة مع حضور القلب والروح، بحيث تغسل آثار الذنوب عن قلوبهم وأرواحهم.
أمّا الآية الأُخرى تتحدّث عن أُولئك الذين حُرموا من هذه الصلاة، فبامكانهم من باب التوبة، فإذن هذه الآية لهؤلاء الجماعة أرجى آية، وتلك الآية لأُولئك الجماعة أرجى آية.
وأيّ رجاء أعظم من أن يعلم الإِنسان أنّه متى زلت قدمه وغلب عليه هواه (دونَ أن يصرّ على الذنب) وحين يحل وقت الصلاة فيتوضأ ويقف أمام معبوده للصلاة، فيحسّ بالخجل عند التوجه إلى الله لما قدمه من أعمال سيئة ويرفع يديه بالدعاء وطلب العفو فيغفر وتزول عن قلبه الظلمة وسوادها.
وتعقيباً على تأثير الصلاة في بناء شخصية الإِنسان وبيان تأثير الحسنات على محو السيئات، يأتي الأمر بالصبر في الآية الأُخرى بعدها (واصبر فإنّ الله لا يضيع أجر المحسنين).
وبالرغم من أنّ بعض المفسّرين حاول تحديد معنى الصبر في هذه الآية في الصلاة، أو إيذاء الأعداء للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، إِلاّ أنّ من الواضح أن لا دليل على ذلك – بل أن الآية تحمل مفهوماً واسعاً كلياً وجامعاً ويشمل كل أنواع الصبر أمام المشاكل والمخالفات والأذى والطغيان والمصائب المختلفة، فالصمود أمام جميع هذه الحوادث يندرج تحت مفهوم الصبر.
“الصبر” أصل كلّي وأساس إِسلامي، يأتي أحياناً في القرآن مقروناً بالصلاة، ولعل ذلك آت من أن الصلاة تبعث في الإِنسان الحركة، والأمر بالصبر يوجب المقاومة، وهذان الأمران، أي “الحركة والمقاومة” حين يكونان جنباً إلى جنب يثمران كل اشكال النجاح والموفقية.
اترك رداً